الإمارات الأولى في المنطقة لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050

على أمل الوقوف بارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض عند حد 1.5 درجة مئوية، سيجتمع صناع القرار والخبراء من 190 دولة حول العالم في غلاسكو بالمملكة المتحدة الأسبوع المقبل على منصة مؤتمر دول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ «COP 26» لبيان ما تم إنجازه منذ إطلاق اتفاق باريس للمناخ 2015، وللتأسيس لمسيرة عمل لعقد المقبل حتى 2030، ورفع سقف الطموح لتعزيز جهود العمل من أجل مواجهة تحدي التغير المناخي وخفض مسبباته وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته.
وكان اتفاق باريس للمناخ – الذي وقعت عليه 197 دولة حتى الآن – قد دعا إلى الالتزام بخفض درجات الحرارة العالمية إلى ما هو «أقل بكثير» من درجتين مئويتين، والسعي الجاهد للحد من الاحتباس الحراري، بحيث لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، لضمان حماية كوكب الأرض من تبعات كارثية يسببها تغير المناخ.
وتأتي اجتماعات «COP 26» عقب إصدار مجموعة من التقارير العالمية التي تحذر من مخاطر كارثية لتغير المناخ في الوقت الحالي ومستقبلاً، وأهمها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ – التابعة للأمم المتحدة – الذي أكد ضرورة التحرك السريع لكبح جماح الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض، موضحاً أن درجة حرارة سطح الأرض سجلت ارتفاعاً بواقع 1.09 درجة مئوية أعلى خلال السنوات العشر بين 2011 – 2020، مقارنة بما كانت عليه بين 1850 – 1900، وأن السنوات الخمس الماضية هي الأكثر حرارة على الإطلاق منذ عام 1850، وأن المعدل الأخير لارتفاع مستوى سطح البحر تضاعف ثلاث مرات تقريباً مقارنة بالفترة بين 1901 – 1971، ولفت التقرير إلى أن التأثير البشري يقف بنسبة 90% وراء التغير المناخي وظواهره وتداعياته، وأهمها انحسار الأنهار الجليدية منذ تسعينيات القرن الماضي وذوبان الجليد البحري في القطب الشمالي.
هذه الحالة السلبية من التوقعات تفرض مسؤولية كبيرة على صناع القرار الذين سيجتمعون في غلاسكو ضمن فعاليات «COP 26»، كما تفرض ضرورة رفع سقف طموح العمل المناخي لضمان حماية الحياة على كوكب الأرض.
وفي بادرة لرفع طموح العمل المناخي، أعلنت دولة الإمارات، ضمن فعاليات الأسبوع الأول من «إكسبو دبي 2020»، مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 – أول دولة في منطقة الشرق الأوسط تعلن هذا النوع من المبادرات – كخريطة طريق لنهج متكامل من العمل لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تدمج العمل من أجل المناخ وتضمن الالتزام بأهداف اتفاق باريس، وتمثل دافعاً ومحفزاً إقليمياً وعالمياً لرفع طموح العمل من أجل المناخ.

الحياد المناخي 
وقالت معالي مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة «إن اجتماعات COP 26 ستمثل أحد النقاط الارتكازية في مسيرة العمل المناخي العالمي، حيث ستركز على منجزات خفض مسببات التغير المناخي وفق أهداف اتفاق باريس، وتوجهات واستراتيجيات العمل خلال السنوات المقبلة حتى 2030، وتحفيز دول العالم كافة على رفع سقف طموحها المناخي لضمان تعزيز مسيرة العمل لحماية كوكبنا وضمان استمرارية الحياة عليه».
وأشارت إلى أن الإعلان عن مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050 يعكس الرؤية الاستشرافية والحكيمة لقيادتنا الرشيدة، ويمثل امتداداً لإرث الوالد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، القائم على حماية البيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وضمان استدامتهما، وتكريساً لدور الإمارات الفاعل في إيجاد حلول للتحديات العالمية.
وأضافت معاليها: «تمثل المبادرة فرصة فعالة لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى القطاعات كافة، حيث ستساهم عبر إدماج هدف العمل المناخي في تعزيز التنويع الاقتصادي المحلي وخلق المزيد من فرص النمو المستدام والأعمال، وتعزز من قدرات وتوجهات تحول الطاقة المحلي».
وأوضحت معاليها أن «المبادرة تركز على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين القطاعين الحكومي والخاص، وتواكب المبادرة مبادئ الخمسين في إيجاد الاقتصاد الأفضل في العالم، وتستند إلى مسيرة الدولة في العمل المناخي والممتدة لثلاثة عقود، وتعزز من دورها الريادي نحو الحياد المناخي كونها أول دولة في المنطقة تطلق مبادرة تستهدف الحياد المناخي، كما كانت الدولة الأولى في المنطقة التي تصادق على اتفاق باريس للمناخ عام 2015»،
وأشارت معاليها إلى أن السعي إلى الحياد المناخي يمثل نموذجاً جديداً للنمو الاقتصادي المستدام الذي يعزز أنشطة البحث والتطوير، والابتكار، وتطبيقات التكنولوجيا النظيفة، وسيكون بمثابة محفز للاستثمار وخلق فرص العمل.
وأكدت معاليها أن المبادرة تسهم في زيادة التنافسية الصناعية وتعزيز مكانة الإمارات مركزاً اقتصادياً عالمياً جاذباً للاستثمارات، كما تسهم المبادرة في تطوير خبرات رأس المال البشري في مجالات مستقبلية، واستقطاب الكفاءات البشرية المتميزة.
ولفتت إلى أن دولة الإمارات تحفز عبر مبادرتها الحراك والعمل العالمي من أجل المناخ، وتشجع مزيداً من الدول على رفع سقف طموحاتها بشأن العمل المناخي.

وتمتلك دولة الإمارات مسيرة من العمل من أجل البيئة ترافقت مع تأسيسها في مطلع سبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى 3 عقود من العمل المناخي بدأت بتوقيعها على بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون في عام 1989.
وفي مطلع التسعينيات، تم الاتفاق بشكل دولي على إطلاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ لتمثل أول تحرك عالمي لمواجهة هذا التحدي المهم، وفي 1995 انضمت دولة الإمارات للاتفاقية للمشاركة في الحراك الدولي للعمل المناخي.
ومع تطور النقاشات والالتزامات القانونية لحراك العمل من أجل المناخ، وبعد إطلاق واعتماد بروتوكول كيوتو الملزم للدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، صادقت دولة الإمارات في عام 2005 على البروتوكول كأول دولة من الدول الرئيسية عالمياً المنتجة للنفط.

مع تحديث وتطور أهداف العمل المناخي لتركز بشكل أكبر على معالجة إشكالية ارتفاع درجة حرارة الأرض، بالإضافة للحد بشكل أكبر من انبعاثات غازات الدفيئة مع إطلاق اتفاق باريس للمناخ في 2015، سارعت دولة الإمارات للانضمام للاتفاق والتوقيع على بنوده لتكون الأولى في المنطقة.

المساهمات المحددة  
وضمن التزاماتها – الطوعية – للعمل من أجل المناخ، رفعت دولة الإمارات سقف طموحها لمواجهة هذا التحدي في تقريرها الثاني للمساهمات المحددة وطنياً الذي قدمته للأمانة العامة للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ ديسمبر الماضي، والذي يضم رفع سقف هدف خفض الانبعاثات بنحو 70 مليون طن بحلول العام 2030، بما يحقق خفضاً في كثافة إجمالي الانبعاثات للدولة بنسبة 37.5% بحلول 2030 مقارنة بمعدلات 2016.
وزيادة حصة الطاقة النظيفة المحلية لتصل إلى قدرة إنتاجية 14 جيجا وات بحلول 2030، مقارنة بـ 100 ميجاوات 2015.
والاستمرار في تطبيق منظومة متكاملة من الإجراءات الهادفة لخفض مستوى الانبعاثات في القطاعات الاقتصادية الرئيسية (الطاقة، والنقل، والصناعة، والخدمات، والزراعة، والنفايات).
والاستمرار في جهود الحفاظ على النظم البيئية الساحلية، ومشروع الكربون الأزرق عبر زراعة ملايين الأشجار، ومنها أشجار المانغروف التي من المخطط زراعة 30 مليون شتلة منها بحلول 2030.

هذه المنظومة الواسعة من جهود العمل من أجل البيئة والمناخ، عززها تبني واعتماد القيادة الرشيدة لمجموعة من التوجهات والسياسات التي تخدم تحقيق الاستدامة وإيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، ومنها تبني التحول نحو الاقتصاد الأخضر، واعتماد وإطلاق السياسة العامة للبيئة في دولة الإمارات وسياسة الإمارات للاقتصاد الدائري اللتين أعدتهما وزارة التغير المناخي والبيئة بالتعاون مع شركائها الاستراتيجيين من جهات ومؤسسات القطاعين الحكومي والخاص.
كما تم إعداد مشروع القانون الاتحادي للتغير المناخي، والذي سيمثل الإطار والمظلة الاتحادية المنظمة لمعايير وآليات العمل من أجل المناخ على مستوى الدولة.

استضافة «COP 28»
وتقدمت دولة الإمارات بطلب لاستضافة دورة مؤتمر دول الأطراف للاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ «COP 28» سعياً لتحفيز وتسريع وتيرة العمل العالمي لمواجهة تحديات التغير المناخي وللحفاظ على كوكب الأرض وضمان استمرارية الحياة عليه، وجاء الطلب استناداً لمسيرتها الحافلة ضمن الجهود الدولية للعمل المناخي، ونموذجها القائم على تحويل كافة التحديات إلى فرص نمو، ولضمان استمرارية مسيرة النمو الاقتصادية المستدامة في ظل منظومة من المعايير التي تحافظ على البيئة وتدمج العمل من أجل المناخ في الاستراتيجيات المستقبلية لكافة القطاعات.

بعد خطوة اعتماد مجلس الوزراء تعيين مبعوث خاص لدولة الإمارات للتغير المناخي، وانسجاماً مع التزام الدولة بدفع الجهود الرامية للحد من تداعيات تغير المناخ وتحقيق التنمية المستدامة، تم تكليف فريق تحضيري لمشاركة الإمارات في الدورة المقبلة لـ«كوب 26»، حيث عقد عدة اجتماعات، منها اجتماع تم في شهر فبراير الماضي، وخلصت محاوره على مناقشة استعدادات الدولة للمشاركة في فعاليات لـ«كوب 26» الرئيسية والجانبية، وما سيتم طرحه والنقاش حوله من جهود العمل من أجل المناخ.

الإنصاف  
كما شارك الفريق في الاجتماعات – الافتراضية – للمفاوضات بشأن المناخ لدول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة للمناخ والتي انطلقت خلال يونيو الماضي، واشتملت أهم بنود المفاوضات على محور تعزيز مبدأ الإنصاف في العمل المناخي، والذي يتناول الأدوار الالتزامات المنوطة بالدول المتقدمة والأخرى النامية في العمل المناخي وخفض انبعاثات الكربون وتحول الطاقة وأهمية تقديم الدعم اللازم للدول النامية للوفاء بالتزاماتها، بالإضافة إلى آليات تسعير سوق الكربون العالمي.

على قدر ضخامة فعاليات «كوب 28» وما تعتزم الإمارات طرحة وتحفيزه خلالها، إلا أنها ستمثل خطوة ضمن استراتيجية عمل متكاملة لدولة نفطية في الأساس قررت طوعياً الالتزام والمساهمة بقوة في حماية حياة البشر وضمان استمراريتها فباتت تقود المنطقة في العمل المناخي، وخير دليل على ذلك ما شهده الشهر الجاري من إعلان مهم يؤكد مدى التزام دولة الإمارات الطوعي بحماية بيئتنا وكوكبنا وخفض حدة كافة المسببات التي تهدد استدامة، وعلى رأسها الانبعاثات التي تقف كمسبب رئيس في تغير المناخ، والمتمثل في مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050.

تعزيز مصالح الإمارات
ركز فريق دولة الإمارات بقيادة وزارة التغير المناخي والبيئة على تعزيز مصالح الدولة في جهود العمل المناخي العالمي، وإبراز منجزاتها في العمل من أجل مواجهة تحدي التغير المناخي وخفض انبعاثاته والتكيف مع تداعياته على المستويين المحلي والعالمي، ووفائها بالتزاماتها الطوعية بموجب الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن المناخ، واتفاق باريس للمناخ، وتوجهاتها واستراتيجياتها المستقبلية وجهودها الخاصة بنشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة وخفض انبعاثات الكربون الطوعي محلياً وعالمياً .

انتصار الإنسانية
كل الآمال معقودة على نقاشات «كوب 26» لانتصار الإنسانية في مناخ نظيف وبيئة نظيفة، لكن هذا يتطلب مجهوداً كبيراً من الدول الكبرى، من خلال التركيز على الاستثمار في الطاقة المتجددة والنظيفة طيلة العشرية القادمة، كما أوصى بذلك تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ – التابعة للأمم المتحدة، وبتبني سياسات عمومية وتشريعات صديقة للبيئة، وهنا لا بد من التنويه إلى الدور الكبير الذي تقوم به دولة الإمارات، كإشارة قوية إلى انخراطها في العمل المناخي الجاد منذ سنوات طوال، ودعمها جهود نشر واستخدام حلول الطاقة المتجددة عالمياً وخير دليل على ذلك الشراكة التي جمعت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا»، و«صندوق أبوظبي للتنمية»، وشركة مصدر، حيث تم خلالها تنفيذ العديد من المشاريع في الدول الجزرية للبحر الكاريبي، ودول الجزر في المحيط الهادي، بقيمة تمويلية بلغت 450 مليون دولار.
وعبر الاستثمار والشراكات الاستثمارية، باتت شركة «مصدر» الإماراتية واحدة من أهم اللاعبين الدوليين في مجال مشاريع الطاقة المتجددة، وتدير حالياً محفظة مشاريع للطاقة المتجددة بقدرة إنتاجية تبلغ 11 جيجا واط في أكثر من 30 دولة حول العالم.

دعم الدول النامية
أكد الفريق ضرورة تسريع وتيرة الحراك والالتزام العالمي بالعمل من أجل المناخ، ودعم جهود الدول النامية للمساهمة في خفض مسببات التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته لضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، كما ركز أيضاً، خلال تلك الاجتماعات، على التأكيد واستقطاب التأييد اللازم لطلب دولة الإمارات استضافة مؤتمر دول الأطراف في الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشان المناخ «كوب 28» في 2023، والذي أعلن عنه سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي خلال شهر مايو الماضي.

نقل الخبرات والتجارب
تعمل دولة الإمارات، عبر طلبها لاستضافة «كوب 28»، على نقل خبرات وتجارب مسيرتها الممتدة لـ 30 عاماً إلى المجتمع الدولي ككل لتحفز وتيرة عمله لضمان استمرارية الحياة على كوكب الأرض، وتعزز قدرته على إيجاد مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد