الاقتصاد الأوروبي بعد النهوض من ركام العولمة … إلي أين البوصلة؟

أجرته\ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا

بالرغم من إعلان ترامب، يوم 9 أبريل 2025، الإيقاف المؤقت، لمدة 90 يوماً، لتطبيق الزيادة في الرسوم الجمركية التي أعلن عنها في بداية شهر أبريل 2025، فإن سياسة ترامب لا تزال تثير مخاوف كبيرة لدى دول الاتحاد الأوروبي

حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 20% على واردات الولايات المتحدة من دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة اعتبرت الأوسع نطاقاً منذ أزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي. وقد شمل هذا القرار ما تقدر قيمته بـ380 مليار يورو من الصادرات الأوروبية السنوية إلى السوق الأمريكية، أي ما يمثل نحو 70% من إجمالي الصادرات الأوروبية نحو الولايات المتحدة، مستهدفا قطاعات استراتيجية كصناعة السيارات والصلب والصناعات الدوائية

وفي تعليقها على هذه الإجراءات، وصفت المفوضية الأوروبية الخطوة الأمريكية بأنها تصعيد تجاري غير مبرر، في حين أكدت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى المواجهة، لكنه لن يتردد في الرد إذا اقتضت الضرورة. وقد مثل هذا التحول المفاجئ تحدياً مزدوجاً لأوروبا؛ اقتصاديا واستراتيجيا، يستدعي تقييما معمقا لانعكاسات السياسات الجمركية الأمريكية وسبل مواجهتها على الصعيد الأوروبي

 

“أوروبا وخيارات الرد”

 

صرحت الأستاذة الدكتورة  يمن الحماقي استاذ الاقتصاد جامعة عين شمس ومقررة مجلس العلوم الاقتصاديه والادارية أكاديمية البحث العلمي ” في حديثها  لمجلة الاستثمارات الإماراتية”

أن الأزمة الجمركية  كشفت عن هشاشة الموقف الأوروبي الموحد في القضايا التجارية الكبرى؛ فبينما دعت دول مثل ألمانيا وإيطاليا والسويد إلى التهدئة والتفاوض،و طالبت دول أخرى، كفرنسا وبولندا، بتصعيد الرد من خلال إجراءات انتقامية قوية. أما المجر، فذهبت إلى حد تحميل المفوضية الأوروبية المسؤولية عن فشل التنسيق مع واشنطن

أ.د\ يمن الحماقي استاذ الاقتصاد جامعة عين شمس 

وقالت أن الاتحاد الأوروبي يعاني انقسامات حول قضايا الدفاع والسياسة الاقتصادية والتجارة والعلاقات مع الصين وغيرها، وهذا ما سيجعل من الصعب على دول التكتل الاتفاق على تكتيكات موحدة في مواجهة ترامب، الذي يبدو وكأنه مستعد لاستخدام كل أدوات القوة لتحقيق أهدافه.

وأعتبرت أن أوروبا   تواجه  سلسلة من التحديات الأساسية، فإذا اعتمدت سياسة الرد بالمثل ورفعت بدورها التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية، هذا سيؤدي إلى تصعيد إضافي غير متوقع حاليا. لذا قد يكون الإجراء الأنسب أمام أوروبا اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية أو اعتماد تشريعات اقتصادية استثنائية

وأشارالمصدر ذاته أن  المفوضية الأوروبية  وضعت خطة متكاملة لمواجهة التصعيد الجمركي الأمريكي، تقوم على ثلاثة محاور رئيسية: التفاوض مع واشنطن، وتطبيق إجراءات مضادة مدروسة، والسعي نحو تنويع الأسواق التجارية خارج الولايات المتحدة.والتأكيد  أن أوروبا لن تسعى إلى التصعيد، لكنها لن تتردد في الرد المناسب

وأفادت أن الاتحاد الأوروبي  يحرص على تجنب اندلاع حرب تجارية شاملة، لا سيما أن الولايات المتحدة تعد الشريك التجاري الأكبر للاتحاد الأوروبي، إذ تبلغ قيمة التجارة الثنائية ومبيعات الشركات التابعة بين الطرفين نحو 8.7 تريليون دولار، وفقاً لغرفة التجارة الأميركية في الاتحاد الأوروبي

وأن أي خطوة من الولايات المتحدة لفرض رسوم جمركية عالمية تصل إلى 20 في المئة، كما هدد الرئيس المنتخب دونالد ترمب قد تلحق أضراراً بالغة باقتصاد أوروبا المتعثر بالفعل، وتؤثر في صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة

وأوضحت أنها تتوقع أن يصمم الاتحاد الأوروبي ودول أخرى أي ردود بطريقة تلتزم قدر الإمكان بقوانين منظمة التجارة العالمية وتتجنب التصعيد، مضيفة، “لكن ليس لديهم الكثير من الأوراق الجيدة للعب”

“التعريفات قد تدفع منطقة اليورو نحو تدابير الحماية”

ويأمل رئيس اتحاد الكيانات المصرية في أوروبا مصطفي رجب “في تصريحاته لمجلة استثمارات الإماراتية” في تجنب بعض هذه التهديدات من خلال اقتراحات تتضمن التزامات بشراء مزيد من الغاز الطبيعي المسال الأميركي والإمدادات الدفاعية

 

مصطفي رجب \رئيس اتحاد الكيانات المصرية في أوروبا 

 

وقال” إن قرارات ترامب تعد قرارات غير مسبوقة وجريئة، تستهدف إعادة صياغة المنظومة الاقتصادية الدولية وربطها جغرافياً، مشيراً إلى التعريفات المتبادلة حددت بشكل غير مباشر ما هو التوجه الاقتصادي المقبل، والإطار المقبل لموازين المدفوعات في التعاون مع الجانب الاميركي وهذا ما ستنتج عنه تأثيرات كثيرة.

وأشار ” أن  الإدارة الأمريكية التي فرضت  رسوماً على الصلب والألمنيوم الأوروبي عام 2018  رد الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم على منتجات أميركية تقليدية، من بينها مشروب “بوربون” ودراجات “هارلي – ديفيدسون” النارية

منوها “أنه في حال لم تنجح تلك المساعي فقد  أعد الاتحاد الأوروبي مجموعة من الخيارات للرد بالمثل، حيث أفادأن هذه الخيارات قد تشمل فرض رسوم جمركية تستهدف منتجات من ولايات أميركية

وأوضح” أن  إحدى التحديات التي يواجهها الاتحاد الأوروبي هي عدم القدرة على التنبؤ بتحركات الرئيس الأميركي المنتخب، مما يجعل من الصعب التحضير لأي قرارات قد يتخذها.  خاصة  آراء مستشاري ترمب  تختلف حول فاعلية الرسوم الجمركية، إذ يحذر البعض من أخطار التضخم الناتجة من فرض رسوم شاملة

وأستطرد” المصدر ذاته أن  خطط ترمب التجارية ترتبط  بتوترات أوسع مع الاتحاد الأوروبي في شأن الأمن الإقليمي، ودعم أوكرانيا واهتمامه بغرينلاند.ولهذا يستعد المسؤولون الأوروبيون لمناقشة مجموعة من القضايا مع الإدارة الأميركية الجديدة مع السعي إلى تقديم الاتحاد الأوروبي كشريك يمكنه المساعدة في تحقيق بعض أهداف الرئيس الأمريكي دونالد ترمب

وتابع” أن الاتحاد الأوروبي يخطط للعمل مع الإدارة الأمريكية  لتحقيق نتائج متبادلة المنفعة، وفقاً لما صرح به المتحدث باسم المفوضية الأوروبية،  قائلا ، “إذا لزم الأمر سندافع عن صناعاتنا المشروعة وشركاتنا ودولنا الأعضاء

وصرح “مصطفي رجب أن  الاتحاد الأوروبي الذي يعد منطقة تجارة حرة في جوهره نهجاً قائماً منذ زمن طويل على رؤية كان يدعمها سابقاً الرئيسان الأميركيان رونالد ريغان وبيل كلينتون تفيد بأن التجارة الحرة هي طريق نحو الأمن العالمي والنمو الاقتصادي، وعادة ما يتضمن رد الاتحاد على النزاعات التجارية تحقيقات مطولة وردود فعل متناسبة

على سبيل المثال بدلاً من الانضمام إلى الولايات المتحدة في فرض رسوم جمركية بنسبة 100 في المئة على السيارات الكهربائية الصينية العام الماضي أجرى الاتحاد الأوروبي تحقيقاً استمر أشهراً عدة حول الدعم الحكومي الصيني، مما أدى إلى فرض رسوم إضافية

تصل إلى نحو 35 في المئة، وقاوم في وقت سابق جهود إدارة بايدن لإقناعه بالانضمام إلى فرض رسوم عقابية على الصلب الصيني، جزئياً بسبب مخاوفه من الامتثال لقواعد منظمة التجارة العالمية.

ولافت أنه في حال   مضى ترمب في تنفيذ بعض تهديداته التجارية،  قد يعيد تشكيل تدفقات التجارة العالمية فقد يواجه الاتحاد الأوروبي ضغوطاً لرفع حواجزه، وتشمل الردود المحتملة فرض رسوم انتقامية ضد الولايات المتحدة وفرض رسوم جديدة على الصين، إما لاسترضاء الولايات المتحدة، وإما للدفاع عن نفسه من ارتفاع الواردات الصينية

 

“خطة ترامب الجمركية وخيارات أوروبا”

وقال بهاء محمود الباحث في مركز الأهرام الاستراتيجي في تصريحاته “لمجلة استثمارات الإماراتية” أن دول العالم بدأت  بمناقشة الاحتمالات المتوافرة لديها في حال كانت ضمن دائرة “الاستهداف الجمركي الترامبي”. وكانت الصين أولى تلك الدول التي أعلنت من جهتها رفع الرسوم الجمركية على منتجات أمريكية ردا على خطوة واشنطن. المثير للاهتمام أن معظم الدول المستهدفة من الإجراءات الأمريكية هي دول حليفة، ومن بينها الدول الأوروبية، التي تواجه من جهة جبهة عسكرية مشتعلة على حدودها مع روسيا، وباتت الآن أمام جبهة أخرى اقتصادية بمواجهة إجراءات محتملة أمريكية.

 

بهاء محمود\ الباحث في مركز الأهرام الاستراتيجي 

 

وأضاف”  أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى المواجهة، لكنه لن يتردد في الرد إذا اقتضت الضرورة. و هذا التحول المفاجئ  مثلا تحدياً مزدوجاً لأوروبا؛ اقتصادياً واستراتيجياً، يستدعي تقييماً معمقاً لانعكاسات السياسات الجمركية الأمريكية وسبل مواجهتها على الصعيد الأوروبي

وأوضح” المصدر ذاته أن  قرار ترامب رفع الرسوم الجمركية أدي إلي أنعكاسات حادة وإلى سلسلة من التداعيات الاقتصادية والسياسية العميقة على دول الاتحاد الأوروبي فقد أدي إلي إرباك قطاع السيارات الأوروبي وتضرر ألمانيا.

التي تمثل المُصدِّر الأول للسيارات إلى الولايات المتحدة. هذه الرسوم، التي بلغت 25% على السيارات وقطع الغيار، أصابت القطاع في مقتل، لا سيما أن شركات كبرى، مثل فولكسفاجن وبي إم دبليو ومرسيدس، تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكية. وقد تكبدت هذه الشركات خسائر فادحة في أسواق المال، أبرزها بورصة فرانكفورت التي سجلت تراجعاً كبيراً في مؤشرات أسهم القطاع، كما حدث مع تراجع سهم شركة بورشه بنسبة 2.7%، وفولكسفاجن بـ4.2% في يوم واحد

​وأشار” إلي  إضعاف الثقة ببيئة الأعمال الأوروبية وقلق المستثمرين  ليس فقط بسبب الرسوم ، بل بسبب مناخ عدم اليقين الذي بات يحيط بالعلاقات الاقتصادية بين ضفتي الأطلسي. فقد كان الانخفاض الحاد في مؤشرات الأسواق الأوروبية بعد القرارات، خصوصاً في بورصة فرانكفورت  إشارة واضحة على تراجع ثقة المستثمرين

ولافت” أن واشنطن فرضت  رسوماً قاسية على المنتجات الصينية (بلغت 54%) ،و بدأت الصين تعمل على توجيه فائض إنتاجها نحو أوروبا؛ ما أثار مخاوف من موجة إغراق تجاري قد تهدد الصناعات الأوروبية، مثل الفولاذ والمنسوجات والإلكترونيات

​وتوقع ” أن يمتد الخطر إلى قطاعات أخرى، مثل المنتجات الصيدلانية والمعدات الإلكترونية؛ ما يهدد التوازن التجاري الأوروبي، ويزيد الضغوط على صناعاتها الهشة. هذا الخطر غير المباشر من الرسوم الأمريكية يجعل أوروبا تدفع ثمن قرارات لا علاقة لها بها بشكل مباشر، لكنه يُبرز تبعيتها البنيوية لاضطرابات النظام التجاري العالمي

 

“تدابير الاتحاد الأوروبي وأليات المواجهة”

 

وصرح الباحث السياسي  التركي  جواد غوك في حديثه ” لمجلة استثمارات الإماراتية” أنه في ظل انسداد أفق التفاوض مع إدارة ترامب، دفع عدد من المسؤولين الأوروبيين باتجاه الدعوة إلى تفعيل أداة أوروبية جديدة تُعرَف باسم “آلية مكافحة الإكراه” ” Anti–Coercion Instrument”

هذه الأداة تسمح للاتحاد الأوروبي بفرض إجراءات مضادة بشكل سريع ومنسق ضد الدول التي تستخدم التجارة سلاحاً للضغط السياسي أو الاقتصادي. وقد تم التصويت على تفعيل هذه الآلية في البرلمان الأوروبي؛ ما يعني أنها قد تُستخدم قريباً ضد الولايات المتحدة إذا استمرت في نهجها التصعيدي

 

جواد غوك\ الباحث السياسي  التركي

 

وأشار” المصدر ذاته  إلي دعوة الرئيس الفرنسي  إيمانويل ماكرون في 3 أبريل 2025 كبريات الشركات الأوروبية، خصوصاً الفرنسيةإلى تعليق الاستثمارات الأوروبية في الولايات المتحدة كأداة ضغط: في خطوة سياسية رمزية تهدف إلى تعزيز موقف التفاوض الأوروبي

وأوضح “أن  المفوضية الأوروبية اختارت  في إعدادها لحزمة الردود الجمركية، استراتيجية دقيقة تراعي تحقيق ثلاثة أهداف: التأثير المؤلم على الاقتصاد الأمريكي، وتقليل الأثر على المستهلك الأوروبي، وتوزيع الضرر بالتساوي بين دول الاتحاد؛ لذلك، تم إدراج منتجات رمزية أمريكية على قائمة الردود، مثل الدراجات النارية “هارلي ديفيدسون”، والفول السوداني، وفول الصويا، ومعدات زراعية، بجانب منتجات كمالية مثل مستحضرات التجميل ”

وأفاد “أن  هناك  عدد من المفكرين الأوروبيين دعوا ، إلى قيادة تحالف عالمي من الدول المؤمنة بالتجارة الحرة، مثل اليابان وكندا وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا، بهدف التصدي للنهج الأحادي الذي بات يميز السياسة التجارية الأمريكية. هذه المبادرة تهدف إلى إعادة إحياء دور منظمة التجارة العالمية من خلال تحالف قوى متعددة الأطراف مصغرة، تلتزم بمبادئ الشفافية وعدم التمييز. وتطرح فكرة تشكيل تكتل تجاري يملك آليات مشتركة للرد على الإجراءات الحمائية، ويعزز صوت أوروبا في المنتديات الدولية

وأشار” المصدر ذاته أن المفوضية الأوروبية أعلنت  عن قرار برفع الرسوم الجمركية الأوروبية بنسبة 25% على مجموعة واسعة من المنتجات الأمريكية، تشمل عصير البرتقال وفول الصويا والدراجات النارية والمكياج والأرز والملابس والصلب والدواجن، بقيمة إجمالية تُقدَّر بـ21 مليار يورو سنوياً​. ولكن بالرغم من ذلك حاول الاتحاد الأوروبي الإبقاء على حيز للتفاهم مع واشطن، وخاصةً بعد قرار ترامب الإيقاف المؤقت لمدة 90 يوماً لتطبيق الزيادة في الرسوم الجمركية على الواردات

وأختتم   أّن السياسات الحمائية لترامب،  تضع الاقتصاد العالمي أمام مفترق طرق، وأن الدول الأوروبية  تخشي من الدخول في حرب تجارية  تؤثر على الاستثمارات والتجارة الدولية.لكن  يبقى السؤال: هل ستتمكّن أوروبا من مواجهة هذه التحديات، أم ستسعى إلى تسوية سياسية

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد