التّنمرّ الإلكتروني.. «ثقافة كورونية» مرفوضة

منذ أن احتلت جائحة كورونا أرض العالم طفت على السّطح مظاهر ثقافية سلبية، أضيفت إلى الشلل الذي أصاب البشرية اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً، متمثلاً ذلك في بروز ثقافة «التّنمر الإلكتروني» وما يستظل في محتواها من إساءات للأفراد والمجتمعات، وتضارب الأخبار والشائعات والخرافات واللغط الكثير في نسج القصص والحكايات، حيث يشير هذا المفهوم إلى السلوك العدواني والتطرف الفكري باستخدام الأجهزة الرقمية والتطبيقات والرسائل ووسائل التواصل والمنتديات، بهدف إلحاق الأذى النّفسي بالآخرين وإخافتهم واستفزازهم بطريقة متعمدة ومتكررة. «الاتحاد» توجهت إلى عدد من المثقفين والمبدعين وسألتهم عن رأيهم في هذه الظاهرة وطرق مواجهتها، حيث يرى الفنان الإماراتي صالح كرامة أن الظاهرة بما تحمله من ضبابيات ابتزاز الأشخاص وخروجها عن السيطرة، باتت تعكس جهلاً ثقافياً مرفوضاً، كونها تندرج تحت عوالم العنف الرمزي، ومن ثم استخدام سلبي للرقمية، في الوقت الذي يجب أن يكون المتنمر في الزمن الكوروني ودوداً متسامحاً تحت مظلة المحبة الكونية، مساهماً في بناء حالة مواجهة للجائحة التي تحتاج إلى موقف عالمي موحد وخطاب ثقافي عقلاني، لا سيما ونحن نرى أن وباء كورونا قد أصبح مصدر شعور بالقلق والخوف والفضاء الخاص مأمن الفرد في الفضاء العام…
ويرى الكاتب والمخرج العراقي محمود أبو العباس، أن التنمر الإلكتروني، ظاهرة شديدة الخطورة، كونها ترفع مستوى القلق الاجتماعي وبخاصة في الزمن الكوروني، كما أنّها أحد مظاهر الاستقواء، تتطلب من المدارس والمؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية العمل على تنظيم حملات توعية على أمل التخفيف من هذه الظاهرة المؤسسية، وتؤكد الكاتبة والباحثة والأكاديمية المغربية الدكتورة الزّهرة إبراهيم: أن التنمر الإلكتروني ينتج عنه عدة مضاعفات لدى الشخص الضحية كتدني الثقة بالنفس والاكتئاب والقلق النفسي، وتضيف أن الضحية تصبح تميل إلى الانعزال عن الناس والخوف من المستقبل، لا سيما وأننا والعالم نعيش مرحلة عزلة غير مسبوقة جرّاء الوباء، بحيث يلزم مع ذلك العمل على بناء ثقافة جديدة تشدّد الرقابة على استخدام الوسائل الرقمية، ثم تقوية جسور العلاقة بين الأسرة والأبناء، لحمايتهم من الوقوع فريسة للمتنمرين، مع عمل برامج ثقافية خاصة لمواجهة وباء هذه الظاهرة. وعن مظاهر التّنمرّ في وسائط التواصل الاجتماعي ترى الروائية الجزائرية عائشة بنور، أن ذلك رشح عن ثقافة عدم التسامح وخطاب الكراهية والتطرف الفكري، ولا بد من تشريعات حقيقية ناجزة لتجريم مظاهر التّنمر الثقافي، بعد أن بات الأمر مقلقاً أكثر من اللازم، بل واستقواء على القيم والمعتقدات الدينية للآخرين، وعبر الرّسوم الكاريكاتورية وطمس الهوية الإنسانية. واعتبرت الروائية اليمنية شذا الخطيب، أن التنمر الإلكتروني يمثل اعتداء غير إنساني بوسيلة ما من قبل الأقوى نحو الأضعف بصورة متعددة المواضيع والأشكال، ويمكن أن يطال حتى العلاقات بين الدول في أوقات الحروب والسّلم، لذا علينا عدم الانصياع لهذه الظاهرة، وأن يتبنّى المثقفون والكتّاب والأدباء مشاريع ثقافية للتوعية بخطورة مثل هذه الأزمة الطارئة على ثقافتنا وهويتنا ومجتمعاتنا.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد