دولة الإمارات تحذر من تدمير التراث الثقافي في حالات النزاع

ترأست دولة الإمارات، أمس، بالشراكة مع فرنسا وإيطاليا وقبرص، اجتماع مجلس الأمن، بصيغة آريا حول حماية التراث الثقافي أثناء النزاع المسلح، انطلاقاً من اعتقاد الإمارات الراسخ بأهمية التراث الثقافي، باعتباره مرآة للهوية وتجسيداً لتاريخ الشعوب ومدخلاً نافذاً لنشر قيم التسامح والتعايش في إطار الإنسانية المشتركة. وأكدت الإمارات أن التدمير المتعمد للتراث الثقافي في حالات النزاع قد يعد في ظروف معينة جريمة حرب، فيما الحفاظ عليه ضرورة لصون السلم والأمن الدوليين، داعية إلى منع استغلال التراث من قبل الجماعات الإرهابية والمسلحة، كونه نقطة التقاء البشرية، مع التأكيد على أهمية إعادة ترميم الكنائس والمساجد في الأراضي المحررة من «داعش».وأشارت في بيان خلال اجتماع لمجلس الأمن بصيغة «آريا»، إلى اهتمام الدولة ورعايتها لبرامج عديدة من أجل الحفاظ على التراث ونشر قيم التسامح والتنوع، مثل استضافة المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد في ديسمبر 2016 بالشراكة مع فرنسا، والذي نتج عنه إعلان أبوظبي، وإطلاق صندوق التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع «ألف» مع فرنسا في مارس 2017، وتنفيذ مشروع «إحياء روح الموصل».
وسلطت الإمارات الضوء، خلال الاجتماع، على أهمية إعادة ترميم الكنائس والمساجد في الأراضي التي سيطر عليها تنظيم «داعش»، بما يجسد مثالاً حياً للتعايش السلمي بين الأديان. وأعربت الإمارات في البيان الذي أدلى به السفير محمد أبوشهاب، نائب المندوبة الدائمة للدولة لدى الأمم المتحدة، عن تطلعها إلى مواصلة التبادل الفكري حول سبل حماية التراث الثقافي، ومنع استغلاله من قبل الجماعات الإرهابية والمسلحة، كونه نقطة التقاء البشرية التي تنتشر من خلالها قيم التسامح والتعايش.
وقال أبوشهاب: «أود أن أبدأ بالتأكيد على أن التراث الثقافي هو مرآة للهوية وتجسيدٌ لتاريخ الشعوب، يربطنا بالماضي ويؤسس لمُستقبل يسوده السلم والشمولية».
وأضاف: «إن تدمير أو تشويه أو نهب التراث الثقافي أثناء حالات النزاع المسلح له تداعيات خطيرة على صُنع وبناء واستدامة السلام، وهو الأمر الذي دفع مجلس الأمن لتبني قراره التاريخي ألفين وثلاثمئة وسبعة وأربعين، الذي يُقر بأن التدمير غير المشروع للتراث الثقافي ومحاولة إنكار الجذور التاريخية ومنع التنوع الثقافي في هذا السياق يمكن أن يؤدي إلى تأجيج النزاعات ومفاقمتها وعرقلة المصالحة الوطنية، كما أشار هذا القرار إلى أن التدمير المتعمد للمباني الدينية والمعالم التاريخية في حالات النزاع قد يشكل في ظروف معينة جريمة حرب».
وتابع: «لطالما اهتمت دولة الإمارات برعاية برامجٍ للحفاظ على التراث الثقافي ضمن استراتيجية متكاملة تهدف بالدرجة الأولى لنشر قيم التسامح والتنوع وبناء مستقبل أفضل للشعوب، فقد استضافت الإمارات مع فرنسا في عام ألفين وستة عشر المؤتمر الدولي للحفاظ على التراث الثقافي المهدد، والذي نتج عنه إعلان أبوظبي، حيث التزمت أربعون دولة ومنظمة دولية بدعم إنشاء ملاذات آمنة لهذا التراث الثقافي المُهدد».
ونوّه بأنه بعدها بعام، وإدراكاً منها لضرورة وجود تمويلٍ كافٍ لحماية التراث، أطلقت الإمارات بالتعاون مع فرنسا صندوق التحالف الدولي لحماية التراث في مناطق النزاع (ألِف)، الذي دعم حتى الآن مبادرات بقيمة خمسين مليون دولار في أكثر من ثلاثين دولة.
وذكر أنه بعد أن دمر تنظيم «داعش» الإرهابي العديد من المواقع الأثرية في العراق للقضاء على مظاهر التعايش السلمي فكرياً وعلى أرض الواقع، جاء مشروع «إحياء روح الموصل» لإعادة إعمار هذه المدينة العريقة وتوحيدها، فالتراث والثقافة والمباني التي تمتد لآلاف السنين في الموصل تجسد أن التعايش السلمي ليس فقط ممكناً، بل هو متجذر في تاريخنا الإنساني.
وقال أبوشهاب: «يأتي هذا الاجتماع لاستعراض التقدم المحرز في تنفيذ القرار ألفين وثلاثمئة وسبعة وأربعين بعد مرور ست سنوات على اعتماده، شملت تطورات عديدة في طبيعة النزاعات المسلحة والمتصاعدة حول العالم، والتي تستدعي منا مواصلة تقييم أساليبنا المعتمدة في حماية التراث الثقافي، فهذا التراث يكتسي أهمية جوهرية في كافة مراحل النزاع، بدءاً من دوره في بناء مجتمعات سلمية، مروراً بالحاجة لحمايتهِ خلال النزاعات ومنع استغلالهِ من الجماعات الإرهابية كأداة للتمويل أو نشر التعصب والكراهية، ووصولاً إلى ترميمهِ لتعزيز المصالحة بين الشعوب».
ونوّه بأن التركيز على استعادة التراث الثقافي وإعادة إعماره لبناء السلام واستدامته يستحق اهتماماً خاصاً، فرغم إقرار مجلس الأمن بعواقب تدمير التراث الثقافي على أمن واستقرار وتنمية الدول المتأثرة بالنزاعات، إلا أننا بحاجة لتعميق فهمنا حول سبل تسخير هذا التراث لمساعدة هذه الدول على التعافي.
وأضاف السفير أبوشهاب: «من المهم إشراك المجتمعات المحلية في حماية التراث الثقافي وإذكاء وعيها بأهميتهِ ودورهِ في إثراء الدول ثقافياً وعلمياً واقتصادياً، ويجب التركيز على البرامج التي تجعل من الحوار والتبادل الفكري بين مختلف الثقافات، أداة لفهم الآخر وتقبلِه واحترامه».
وأوضح أن إعادة إعمار المواقع التراثية سيكون لها بالغ الأثر في تحفيز المجتمعات على إعادة البناء والعمل، ووضع القيم الإنسانية أولاً، فإعادة ترميم الكنائس والمساجد التي دمرها تنظيم داعش، مهمة لتجسيد التعايش السلمي بين الأديان على أرض الواقع.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد