دولة الإمارات وفرنسا رؤى مشتركة لدعم الاستقرار وتكريس السلام

تحظى زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا، بأهمية خاصة، بالنظر إلى جُملة الملفات التي من المقرر أن يبحثها سموه خلال الزيارة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي تتضمن علاقات الصداقة، وآفاق التعاون والعمل المشترك في مختلف الجوانب، لا سيما في طاقة المستقبل، وتغير المناخ والتكنولوجيا المتقدمة، وتعزيز التعاون في قطاعات التعليم والثقافة والفضاء، في ضوء الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع دولة الإمارات وفرنسا والقائمة على الرؤية المشتركة في دعم الاستقرار والسلام.

وفي هذا السياق، يتحدث محللون سياسيون فرنسيون وعرب مقيمون في باريس، في تصريحات  حول أهمية زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله» إلى فرنسا، والاهتمام الواسع في المجتمع الفرنسي بتلك الزيارة، وما سبقها من استعدادات كبيرة.

رؤى مشتركة

تقول الكاتبة الصحافية، فابيولا بدوي، المقيمة في فرنسا: «إن العلاقات الإماراتية- الفرنسية، شديدة التميز بشكل عام على الصُعد كافة، بما في ذلك، بشكل خاص، علاقات التعاون الثقافي، وتجدر الإشارة هنا، على سبيل المثال، إلى متحف اللوفر في أبوظبي (الذي افتتح في نوفمبر 2018، وهو أول متحف دولي في العالم العربي، وأكبر مشروع ثقافي لفرنسا في الخارج)»، مشيرة إلى الرؤى المشتركة التي تجمع قيادتي البلدين.

من بين تلك الرؤى المشتركة، ما يتعلق بالنظرة إلى المستقبل، والتطلع إلى تعميق توظيف التكنولوجيا الحديثة، والمحافظة على البيئة، والابتكار «وجميعها خطوط تماس وملفات مشتركة تجمع البلدين».

وتردف بدوي في تصريحات ، قائلة: «تمثل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا في بدايات الولاية الثانية لماكرون، أهمية خاصة وكبيرة، لا سيما في ظل أولويات ماكرون في هذه الولاية الجديدة، في ما يتعلق بالتكنولوجيا والبيئة والتقدم الطبي والاستثمار، والعلاقة مع الشركاء حول العالم، وقوة مساهمة المرأة في الحياة على الصعد كافة، وملفات أخرى، يشترك فيها مع نفس الرؤية الإماراتية، التي تحمل معاني التعايش والتسامح، وهي نفسها قيم الجمهورية الفرنسية».

وتأتي تلك الزيارة، تأكيداً على العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، على اعتبار أن الإمارات هي الشريك الأكبر والاستراتيجي لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط، وفرنسا تمثل الشريك الأكبر والاستراتيجي للإمارات في أوروبا.

وتستطرد فابيولا قائلة: «إن المُتابع للإعلام الفرنسي، يرى دائماً كيف أن الإمارات تُطرح كنموذج للدولة التي تضم كل الجنسيات، وتحتفي بالعالم، ويحتفي العالم بها، وهو ما يعكس التقدير الكبير الذي تحظى به الإمارات في فرنسا، وأهمية العلاقات الثنائية، مشددة على أن الجانبين يتطلعان إلى بحث ملفات التعاون المشترك في ملفات الطاقة المستدامة والتكنولوجيا، ورؤى المستقبل، وملف المرأة والتعليم والثقافة والابتكارات والنهضة الطبية.. إنها زيارة تؤكد على طبيعة العلاقة القائمة بالفعل، وكيف يمكن استثمارها الاستثمار الأمثل لكلا البلدين».

علاقات مميزة

من جانبه، يشير الكاتب الصحافي اللبناني المقيم في فرنسا، علي المرعبي، في تصريحات  إلى أنه من المتوقع أن تتناول الزيارة عدة أمور، أهمها توثيق العلاقات المميزة بين فرنسا ودولة الإمارات، إضافة إلى مشاورات حول طاقة المستقبل المستدامة، وتبادل الآراء حول سبل معالجة تغير المناخ، وأيضاً ستتناول التكنولوجيا المتطورة.

ويلفت الأمين العام لاتحاد الصحافيين والكتاب العرب في أوروبا، إلى أن ثمة ملفين رئيسين يطرحان نفسهما على الطاولة، وهما الحرب في أوكرانيا، وتبعاتها على ملف الطاقة بالضرورة، إضافة إلى ملف المفاوضات مع إيران حول الاتفاق النووي، مردفاً: «أعتقد بأن هذين الملفين سيستحوذان على حيز من المباحثات».

ويوضح المرعبي أن «هناك بالطبع الكثير من القضايا على طاولة المباحثات، خاصة أنها زيارة دولة، وتعتبر من أهم أنواع الزيارات.. إذ يُنتظر توقيع عقود تعاون اقتصادي بين البلدين، فضلاً عن متابعة التفاهم على عدد من الصفقات في المجال الدفاعي».

آفاق جديدة

ومن فرنسا، تشير عضو مجلس الحي عن محافظة فرساي، رئيس الرابطة الدولية للإبداع الفكري والثقافي بمقر منظمة اليونيسكو بباريس، الدكتورة جيهان جادو، في تصريحات لـ «البيان»، إلى أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، تعكس آفاق التعاون المتسعة بين البلدين، وفي ضوء الملفات المشتركة على عديد من الأصعدة، لا سيما في ما يرتبط بالتنمية المستدامة، وغيرها من الملفات، مثل تحديات المناخ.

وتتابع المسؤولة المحلية في فرنسا قائلة: «أعتقد أن هذه الزيارة سوف تفتح آفاقاً جديدة وكبيرة للتعاون بين البلدين (..)، زيارة رئيس دولة الإمارات إلى فرنسا، إنما تعكس اهتماماً كبيراً جداً بالعلاقات مع الخليج، خاصة مع دولة الإمارات، التي تعد دولة كبيرة في حجم الاستثمارات والمشروعات العملاقة على أراضيها، وكذلك في ما يتعلق بالمساهمات الإيجابية في عديد من الملفات الهامة، سواء في ما يتعلق بالمناخ، وكذلك الاستثمارات والطاقة».

وتشير جادو إلى أن «الزيارة تعكس محوراً مهماً، وهو أن فرنسا تفتح آفاقاً جديدة لتعزيز التعاون مع جميع الدول، ودولة الإمارات هي دولة كبرى في التأثير والإمكانات، وتسعى دائماً إلى أن يكون هناك اتحاد وعلاقات مشتركة كبيرة مع مختلف الدول».

حدث استثنائي

وبدوره، يلفت الكاتب والباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأوروبية، نزار الجليدي، من فرنسا، إلى أن زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، إلى فرنسا، ينظر لها في باريس على أنها حدث استثنائي لعدة اعتبارات، أولها أنها الأولى لسموه منذ توليه رئاسة دولة الإمارات، وفي ذلك رمزية على أهمية التعاون الفرنسي الإماراتي في عديد المجالات الاقتصادية والأمنية والبيئية، ومن المنتظر أن يتم توقيع اتفاقات ثنائية، بخصوص الطاقة المستدامة، والتي تحظى بالأولوية القصوى في الإمارات وفرنسا، على حد سواء.

ويشير إلى أنه «بالتأكيد، سيكون لفرنسا دور في مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ (كوب 28)، الذي تحتضنه الإمارات في عام 2023، في خطٍ متوازٍ مع سعي دولة الإمارات لوضع كل إمكاناتها لإنجاح المؤتمر، وتأكيدات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، على أن الدولة ستبقى ملتزمة تجاه العمل المناخي العالمي، لحماية كوكب الأرض».

ويردف الجليدي: من المتوقع أن تتناول الزيارة، الأوضاع الأمنية الإقليمية والدولية أيضاً، وستكون الحرب في أوكرانيا، في صدارة هذه المحادثات، فضلاً عن توحيد جهود البلدين في تكريس السلم العالمي، وخفض التوترات في الشرق الأوسط وبقية أنحاء العالم، إذ لا يخفى على أحد، الدور الكبير والمهم الذي تقوم به الإمارات في هذا المجال، وقد تحولت إلى مركز عالمي للسلام، ولاعب مهم في التوازنات الدولية.. وتحظى الدبلوماسية الإماراتية بكامل الاحترام والتقدير من جميع الدول، ورأيها يعتد وبه، وهذا ما يعيه الفرنسيون جيداً، ويريدون الاستثمار فيه.

ويختتم الجليدي تصريحاته قائلاً: «وعموماً، ستشكل هذه الزيارة التاريخية، انطلاقة حقيقية لمحور ثنائي عربي أوروبي، قد يغير وجه العالم».

تنمية مستدامة

ويشير المستشار السياسي والخبير الاقتصادي الفرنسي، جان مسيحة، في تصريحات ، إلى أن «الزيارة في غاية الأهمية بصفة عامة، بالنظر إلى أن العلاقة بين الإمارات وفرنسا، هي علاقات قديمة وعميقة في نفس الوقت، وقد تم تثبيتها بشكل كبير، بدءاً من حقبة التسعينيات، وقد زادت ألقاً في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، حيث شهدت العلاقات نشاطاً على الصعيد التجاري والعسكري، وعلى صعد أخرى، ثقافياً وتعليمياً وخلافه، وتنظر فرنسا للإمارات على أنها من الدول المُهمة بالنسبة لفرنسا».

ويُبرز الخبير الاقتصادي الفرنسي، ضمن تصريحاته، أحد أبرز المشتركات بين البلدين، والممثل في ملف الطاقة المتجددة والمستدامة، بالنظر إلى أن فرنسا دولة كبرى في هذا المجال، ولها استثمارات كبيرة على المستوى الدولي فيه، والإمارات كذلك تولي أهمية كبرى لهذا الملف، في إطار استراتيجيات التنمية المستدامة، والحفاظ على البيئة، ومواجهة التغير المناخي، وهناك مشتركات كبيرة وتعاون ملحوظ بين البلدين، وتنسيق في المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة.. يعكس ذلك عمق التعاون بين البلدين في مجال الطاقة المستدامة.

ويتحدث مسيحة في الوقت نفسه، عن تبني الإمارات وفرنسا، رؤى مشتركة لقضايا وملفات السلام والتسامح في العالم، مشيراً إلى اتفاقات السلام التي أبرمتها الإمارات ودول عربية مع إسرائيل، وهي الاتفاقات التي تشجع عليها فرنسا.

التغير المناخي

يعد ملف التغير المناخي من القضايا البارزة في العلاقات الإماراتية – الفرنسية، حيث إنه بحلول عام 2030، من المقرر أن تصل نسبة استخدام الطاقة المتجددة في مجال توليد الكهرباء في الإمارات إلى 5 %، بالإضافة إلى 12 % للطاقة النووية، و12 % للفحم النظيف، والنسبة الباقية باستخدام الغاز.

وتسعى فرنسا إلى الوصول بنسبة الطاقة المتجددة إلى 33 % بحلول عام 2030، لتحقيق أهداف المناخ، وفي ظل اهتمام الإمارات بها القطاع، فإن لقاء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سيكون تأكيداً على هذا التوجه الثنائي، إذ يعد البلدان محوريين (الإمارات على المستويين العربي والإقليمي، وفرنسا على المستوى الأوروبي)، في هذا المجال الحيوي.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد