د سالي شعراوي تكتب: الصين وإيران: تعاون استراتيجى.. ومواجهة للنفوذ الأمريكى

بقلم- د سالي شعراوي*

تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى حقبة إمبراطورية الهان والإمبراطورية البارثية، حين كانت الدولتان شريكتان على طريق الحرير القديم ، وبالنظر إلى اهمية الصين على المستوى الدولى والدور الفاعل الذى تلعبه إيران في الشرق الاوسط ، وفى ضوء وجود الولايات المتحدة الامريكية دوما في خلفية المشهد السياسى ، يجدر بنا في هذه المقالة تناول ابعاد العلاقات فيما بين الصين وإيران بشكل موجز وإلى أى مدى تؤثر الولايات المتحدة الامريكية المتداخلة بقوة في مسار الصين وإيران سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى .

بداية تجدر الإشارة إلى أنه تم الاعتراف الدبلوماسى بجمهورية الصين الشعبية من قبل إيران عام 1971 ، وبالتالى تعود علاقاتهما إلى عهد شاه ايران السابق ، حيث تنظر القيادة الصينية إلى إيران كقوة اقليمية طبيعية فى الخليج ، وهى بذلك تصلح كشريك يساهم فى التصدى لأية مساعى من القوى المسيطرة على النظام الدولى نحو الهيمنة ، وذلك فى ضوء تأييد الصين للتعددية القطبية وعدم انفراد دولة واحدة بالسيطرة على النظام الدولى من كافة الابعاد والمستويات  .

وعلى الجانب الاقتصادى ، نجد أن الاستراتيجية الصينية تجاه إيران تحددت منذ ثورة 1979 على خلفية الفرص والقيود الخارجية، فمن ناحية سعت بكين إلى تحقيق مصالحها الاقتصادية ، حيث يُعد النفط والغاز واحداً من الركائز الأساسية في العلاقة بين إيران والصين ، ومن الجدير بالذكر في هذا الاطار أنه سبق وأن قامت الصين بخفض حجم وارداتها النفطية من إيران بهدف الحفاظ على موقعها بين الدول المعفاة من العقوبات الأمريكية المفروضة على الصادرات النفطية الإيرانية ، لكن استمرت الصين في شراء نصف صادرات النفط الخام الإيراني، وذلك في ضوء الأسعار المنخفضة التي تعرضها طهران بسبب العقوبات المفروضة عليها ، ومن ناحية أخرى تشكل الإمدادات الإيرانية جزءاً هاماً جداً بالنسبة إلى بكين، بالنظر إلى أن منتجي الطاقة الرئيسيين الآخرين في الخليج هم شركاء للولايات المتحدة الامريكية .

وتجدر الإشارة إلى أنه في مطلع العام الحالى ، اعلن رئيس غرفة التجارة الايرانية مجيد رضا حريرى تراجع حجم التجارة بين الصين وإيران بنسبة 35% خلال عامى 2018و2019 وذلك لأن العقوبات الامريكية اضرت بشكل كبير بالصادرات الايرانية إلى الصين ويدخل في هذا الإطار النفط والغاز والمكثفات ، فالصين لا تزال الشريك التجارى الاكبر لإيران لكن حصة طهران من إجمالى التجارة الخارجية للصين تبلغ نحو نصف بالمائة ، كما أن الصين كانت أكبر مستورد للنفط الإيرانى في فترة ما قبل العقوبات الامريكية على إيران ، وفى العام الحالى تتلقى الصين ما يقرب من 250 الف برميل من إيران يوميا .

وعلى المستوى السياسى والعسكرى  ، نجد أن الصين كانت أكبر مورد لإيران فيما يتعلق بالأسلحة مستفيدة من الحرب الإيرانية العراقية المتواصلة في الثمانينيات من القرن الماضى .

لكن نجد أن علاقة الصين بالولايات المتحدة دوماً ما تُشكل عاملاً حاكماً لمسار علاقاتها مع إيران ، وعلى سبيل المثال أدت رغبة بكين في تجنب العقوبات الأمريكية إلى الحد من التعاون مع إيران في تكنولوجيا الصواريخ النووية والبالستية ، ففي أعقاب الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في عام 2003، بدأت الصين في تقليص وارداتها النفطية ومبيعات الأسلحة والتبادلات الدبلوماسية مع طهران ، علاوة على حاجة الصين إلى الموازنة في علاقاتها بين إيران والقوى الإقليمية الأخرى، وخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج ، ومن ثم تنعكس العوامل الخارجية ورغبة الصين في كسب ود كافة الاطراف الدولية والاقليمية الفاعلة بنسب متفاوتة دعما لمصالحها الاقتصادية  على مسار العلاقات الصينية الايرانية بوضوح .

 

وبوجه عام  يشكل التعاون العسكرى بين الصين وايران بالإضافة إلى روسيا نوعاً من انواع التحالف السياسى فى مواجهة الولايات المتحدة الامريكية ، فإيران تواجه عقوبات أمريكية وغربية تهدف إلى تغيير موقفها من الملف النووى ، وتعطيل محاولاتها الرامية إلى تطوير صواريخ بالستية وصناعات عسكرية متقدمة، وتقويض نظامها الذي يهدد المصالح الأمريكية في منطقة الخليج والشرق الأوسط، بينما تواجه الصين حربا تجارية مع الولايات المتحدة، علاوة على أنها الدولة المنافسة للغرب وتشير الكثير من التحليلات السياسية منذ سنوات إلى أنها في طريقها كى تتحول الى دولة عظمى، وتحل مكان الولايات المتحدة الأمريكية كأكبر قوة اقتصادية في العالم خلال السنوات القليلة القادمة.

ولا نغفل فى هذا الإطار عن المناورات البحرية في مياه المحيط الهندي وبالقرب من مدخل الخليج التى تمت بالمشاركة بين القوات الصينية والروسية والايرانية عام 2019 على سبيل المثال  ، والتى تعد في الظاهر تعميقاً لمستوى التعاون فيما بينهما لكنها بالطبع تشكل في ذات الوقت  نوع من انواع الرد على محاولات الولايات المتحدة الأمريكية تشكيل قوة بحرية تضم بعض الدول الأوروبية والعربية لتقوية حضورها في الخليج والتحكم بالممرات البحرية.

من ناحية أخرى نجد أنه تسود وجهات نظر مفادها أن  تشجيع التحديث العسكري الإيراني من شأنه أن يغذي النزاعات في جميع أنحاء المنطقة، مما ينعكس بالسلب على حصص الصين المستقرة في أسواق الطاقة ومشاريع البنية التحتية وغيرها ، ولكن الصين من جانبها تحرص على سياسة التقرب من كافة الاطراف كما سبق التنويه ، فعلى سبيل المثال دعت الصين في خلال شهر يونيو 2020 الولايات المتحدة إلى رفع العقوبات احادية الجانب عن إيران مشيرة إلى الأزمة التى يسببها انسحاب واشنطن من الاتفاق النووى مع طهران ، حيث اشار المندوب الصينى الدائم لدى الامم المتحدة تشانغ جون إلى ضرورة عودة الولايات المتحدة إلى الطريق الصحيح والالتزام بالاتفاق النووى في إطار قرار مجلس الامن رقم 2231 وأكد على معارضة بكين للمساعى الامريكية الخاصة بتمديد حظر توريد الاسلحة إلى إيران ، فلا يحق للولايات المتحدة إطلاق عملية إعادة فرض العقوبات على إيران في مجلس الامن .

 واتصالا بذلك ، اشار برايان هوك المبعوث الامريكى الخاص بإيران ، أن روسيا والصين ستواجهان العزلة في الامم المتحدة إذا واصلتا المضى قدماً في عرقلة مساعى الولايات المتحدة لتمديد حظر السلاح المفروض على إيران .

ونجد ايضا انه بينما تتقارب كل من الصين وإيران فى معارضتهما لهيمنة الولايات المتحدة ، تختلف مصالحهما المنفردة إزاء الاخيرة حيث تعتمد الصين على الولايات المتحدة لدعم نموها الاقتصادى بينما تُعتبر ايران منقطعة الصلة تماما بالاقتصاد الامريكى وتواجه عقوبات دولية كما هو معروف  .

ولكن على الرغم مما سبق ، تستمر الشراكة الصينية الايرانية الاقتصادية فى مسارها ، وعلى سبيل المثال كشفت صحف امريكية مؤخرا عن مشروع شراكة صينية ايرانية يشمل العديد من المجالات منها التجارى والعسكرى واتخاذ خطوات من شأنها تعزيز التواجد الصينى قرب مضيق هرمز ، ومن الجدير بالذكر أن وسائل الاعلام الإيرانية اطلقت وصف ” الاتفاق النووى الشرقى ” على الشراكة الاستراتيجية المرتقبة مع الصين والتى تمتد لربع قرن وتبلغ الاستثمارات الصينية فيها 400 مليار دولار ، واعتبرت الصحف الامريكية الرئيسية أن الاتفاق الاستراتيجى المشار إليه يُعد محاولة من إيران للخروج من وطأة العقوبات الامريكية التى اضرت بالأوضاع الاقتصادية داخل ايران ، ويساعد بكين على إيجاد موطئ قدم بمنطقة الخليج فى إطار مشروع مبادرة الحزام والطريق .

من ثم نجد أن افاق الشراكة بين الصين وإيران مُرتبطة بدرجة كبيرة  بالبعد الخاص بالعلاقة مع الولايات المتحدة ، وذلك على الرغم من الاتجاه الذى يرى ان قدرة الولايات المتحدة على إعادة صياغة شكل العلاقة بين الصين وإيران عبر الحوافز الايجابية والسلبية محدود بالنظر الى ان علاقة بكين بالجمهورية الإسلامية متعددة الاوجه وتتخطى مجال الطاقة الذى يتأثر بالعقوبات الامريكية المفروضة على إيران ، لكن العلاقات الصينية الايرانية مُرشحة للتطور في المستقبل بالنظر إلى أنه لا توجد كلمة نهائية في السياسة وحركة العلاقات الدولية التى تتجدد باستمرار في ضوء تغير موازين القوى والسياق الدولى والمصالح والتحالفات فيما بين الدول الكبرى والقوى الفاعلة في اقليم الشرق الاوسط .

* الدكتورة سالي شعراوي: باحثة في العلوم السياسية وحاصلة على الدكتوراه في العلاقات الدولية.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد