ملاحظات على إتفاق السلام بين “الإمارات” و”إسرائيل” !

حددت الباحثة في العلوم السياسية الدكتورة ايمان زهران عدة ملاحظات هامة لقراءة اتفاق السلام غير المسبوق الذي توصلت اليه دولة الامارات بهدف إحياء عملية السلام وايقاف خطط ضم إسرائيل للأراضي الفلسطينية.
وفي هذا الصدد اشارت إلى ما يلي:

1- إعادة إستدعاء سياسات التخوين : لإختلاف الأيدولوجيات السياسية ، فمن الطبيعى أن يكون هناك مؤيد ومعارض لإتفاق السلام المُعلن، ومن الطبيعى أن تتعالى نبرات التخوين وعبارات “خيانه القضية الفلسطينية” وهو ما حدث سابقا مع القاهرة بتوقيع إتفاق السلام بكامب ديفيد ، ومع المملكة الأردنية بتوقيع إتفاق السلام ومعاهدة وادى عربة .. وإن كان جميعها إتهامات بدون أى سند وفقا لنصوص إتفاقات السلام المُعلنة. كما أن مثل تلك الإتفاقات العربية من شأنها خلق فرص حقيقة لإقرار السلام الشامل بالمنطقة. وهو ما تنبهت إليه القاهرة، وتلاها الأردن ، وحاليا الإمارات.
.
2- تكييف السياسات الداخلية الإسرائيلية : إذ أوجد التطبيع وإتفاق السلام مع الإمارات “مخرج مرن” للمأزق الإسرائيلي الخاص بتعهدات نتنياهو على إنجاز متطلبات خطة ضم “الضفة الغربية وغور الأردن”، وأصبح هناك “ورقة نوعية” لمقايضة الشعب الإسرائيلى مقابل التراجع عن وعود نتنياهو الغير واقعية .. وبالتالى تتزايد حظوظ نتنياهو بالشارع الإسرائيلي إذ إقتنص وثيقة رسمية بالتطبيع مع قوة عربية صاعدة مقابل “تعهد إنتخابى” لم يكن من المرجح أن يفعله ولم يكن في مصلحة “إسرائيل” على المدى الطويل.
.
3- تموضع دولة الإمارات : فى تقديرى ، إضفاء الطابع الرسمي على ما كان “علاقات غير رسمية” خطوة حكيمة تستحق الإشادة من كافة الأطياف السياسية، كذلك من المُرجح أن يسهُم الإتفاق على تعزيز مكانة الإمارات “الجيو سياسية” كقوة صاعدة بالإقليم العربى. بالإضافة لعنصرين رئيسين يُشكل على أساسها ثقل “التطبيع وإتفاق السلام” ، الأول: انه لا يوجد عداء رسمى ولا حروب وصراعات ما بين الامارات وإسرائيل وبالتالى إطلاق إسم “إتفاق السلام” هو أمر مبالغ فيه، ولكن هناك تفاهمات أمنية مشتركة تسعى بإتفاقها لإنجازها، خاصة ملف مجابهه التهديدات الإيرانية وتقويض المحور التركي القطرى وتحركاته بالمنطقة. والثانى: تعزيز التعاون الثنائي في قطاعات مثل الطاقة والطب والتكنولوجيا والصناعة العسكرية، وهو الامر الذى تسعى دولة الإمارات لإنجازة بخططها نحو الدفع بالإستراتيجيات المتكاملة للـ “المدن الذكية”.
.
4- إعادة تصدر ترامب للمشهد الأمريكي قبل إنتخابات الرئاسة بنوفمبر2020 : بجانب الإخفاقات العديدة لإدارة ترامب سياسيا، وما زاد بالتناول “غير المهنى” لجائحة كورونا، مع تزايد حظوظ بايدن بالإنتخابات الرئاسية المقبلة، كان هناك الحاجة لإعادة ظهور ترامب بالمشهد السياسي وإيجاد موطئ قدم لتحريك المياة الراكدة. وهو ما يحققة له إتفاق السلام بين الأمارات وإسرائيل، إذ من جانب سيُعيد الكرة مرة أخرى للحديث عن هيكلة ومسارات السلام فى الشرق الأوسط وقد يتطور الأمر للدفع بـ “صياغات مرنه” عما أسماه بـ “صفقة القرن”، ومن جانب أخر “ورقة مرابحة” مع اللوبى الصهيونى والإنجيلين لتعزيز حظوظة بالإنتخابات القادمة فى نوفمبر 2020.
.
فى تقديرى … إن الإتفاق القائم هو مجرد توثيق رسمى لممارسات الواقع ولا يُشكل أى نقلة محورية بهيكل النظام العربى، إلا أن النقطة الأهم والفاصلة بـ “الدومينو العربى” ما يتعلق بما إذا انضمت المملكة العربية السعودية إلى إتفاقات التطبيع السياسي، فالإنتصار الحقيقى لإسرائيل هو الإعتراف الدبلوماسى والتطبيع الرسمى مع السعودية حاملة “اللواء التقليدى” للعالم الإسلامى. وهنا فقط تحدث النقلة النوعية بـ “الدومينو العربى”. وهناك إحتمال غير مُستبعد أن تكون المملكة السعودية فى وضعية المراقب لردود الأفعال العربية والقوى الإقليمية والدولية على “إتفاق الإمارات”، ووفقا لذلك تتخذ خطواتها القادمة، حيث إما الإنضمام للإتفاق أو الرفض، أخذاً فى الإعتبار كافة المكتسبات الداخلية والنوعية للملكة التى أنجزها ولى عهد وما إنتطوت عليه تحركات “رؤية السعودية 2030”.
.
نقطة أخيرة .. ما بين مؤيد ومعارض على الخطوة الإماراتية، وما سبقها من خطوات مصرية وأردنية، وبرغم إقتناعى بأن مثل تلك الخطوات لا تنتقص من قدر وأهمية ومحورية القضية الفلسطينية، ولا تغفل مطالبنا بحل الدولتين، إلا أن هناك ما يُشبة بـ “نافذة الفرص” والتخلى عن إستهلاك نغمة “الفرص الضائعة”، وذلك بـ “توحيد الصف” على أن يتم إعادة النظر فى “مبادرة السلام العربية لعام 2002” وتسوقيها للشعب الإسرائيليى وإقليميا ودوليا، إذ بموجبها عُرض على “إسرائيل” الاعتراف العربي الكامل والتطبيع الرسمى للعلاقات مقابل انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية معترف بها دوليا،

أى إستغلال التطور النوعى بالعلاقات العربية – الإسرائيلة ، والعمل على خلق صفقة القرن الخاصة بنا؛ أخذا فى الإعتبار التحول التاريخي بسياقات القضية الفلسطينية، والموازنة المرنه لحجم التغيرات النوعية التى لحقت بها خلال الفترات السابقة، على أن يكون التطبيع العربى “الكامل” مقابل إقامة دولة فلسطينية بحدود مُعترف بها دوليا !

د. إيمان زهران
خبيرة العلاقات الدولية و الامن الاقليمي

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد