نيوزويك الأمريكية: “نحو كشف ما وراء غيوم قطر والجزيرة”

كتب مدير مشروع واشنطن في منتدى الشرق الأوسط كليف سميث مقالًا نشر أمس في مجلة نيوزويك الأمريكية تناول فيه جانبًا من جوانب محاولات قطر عبر قناة الجزيرة التغلغل في النسيج الإعلامي الأمريكي، وكيف أحبطت بعض المؤسسات الحكومية الأمريكية هذه المحاولات.

لقد تحدت مؤسسة الجزيرة التي تعد الذراع الإعلامية الناطقة باسم النظام القطري الراعي والداعم لعدة تنظيمات إرهابية حول العالم كافة المحاولات التي تمت على مدار سنوات طويلة لإجبارها على الامتثال للقوانين الأمريكية المتعلقة بوسائط الدعاية الأجنبية.

نجاح الجزيرة في هذا التحدي فيما سبق كان دومًا مثار قلق بالنسبة للداخل الأمريكي،

لكن بعد أن تم مؤخرًا إطلاق عدة إجراءات تجاه هذه المؤسسة سواء من وزارة العدل الأمريكية، أو عمليات التدقيق التي بدأ الكونجرس في القيام بها حيال أنشطة هذه المؤسسة بشكل عام وبشكل خاص أنشطتها على الأراضي الأمريكية، جميعها مؤشرات تدل أن قواعد اللعبة قد تغيرت كليًا، وأن ما نجحت فيه الجزيرة سابقًا لم يعد قابلًا للتحقق مرة أخرى مستقبلًا.

في هذا الإطار أعد عشرة أعضاء في الكونجرس بقيادة السيناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو والنائب الجمهوري عن ولاية نيويورك لي زيلدن رسالة تم توجيهها إلى وزارة العدل يطالبون فيها بتسجيل الجزيرة وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)، وكذلك تسجيلها وفق قوانين الاتصالات الفيدرالية الجديدة (FCC) التي تتعلق بشكل أساسي بوسائل الإعلام العاملة على الأراضي الأمريكية التي يتم تمويلها وإدارتها من قبل حكومات أجنبية.

أتى هذا الإجراء من جانب الكونجرس عقب إجراءات مماثلة اتخذتها وزارة العدل ضد هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT) التي تم تسجيل قنواتها وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وهو الإجراء الذي أشارت له رسالة الكونجرس واصفة إياه بأنه بمثابة (كابوس) لقناة الجزيرة وإدارتها. وهذا أيضًا ما أعربت عنه فارشا كودوفايور وهي إحدى القياديين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات؛ إذ رأت أن تسجيل القنوات التركية وفق هذا القانون “يمثل سابقة تلزم الجزيرة أيضًا بأن تُسجل وفقه”.

خطاب الكونجرس وضع اليد على الوتر الحساس فيما يتعلق بهذه القضية حيث نص على أنه “بما أن وزارة العدل وجدت أن القنوات التركية يجب أن يتم تسجيلها وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بسبب السيطرة الحكومية عليها من جانب الحكومة التركية من خلال التمويل والإشراف والإدارة، فإن هذا يجعل من الواجب تطبيق نفس الإجراء على قناة الجزيرة التي تنطبق عليها نفس الشروط ويتم تمويلها وإدارتها من جانب الحكومة القطرية”.

مؤسسة الجزيرة من جانبها أدركت ما تشكله هذه الدعوات من تهديد لأنشطتها على الأراضي الأمريكية، وقد ندد سابقًا المتحدث باسمها بتصريحات فارشا كودوفايور، مشيرًا إلى أن مطالبتها بتسجيل قناة الجزيرة وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أسوة بالقنوات التركية هي مجرد ادعاءات خاطئة ومضللة تأتي في سياق (الضغوط العدوانية) التي يشنها (خصوم قطر الإقليميون)، وهنا المقصود هي دول جوار قطر مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. هذا التهويل الفارغ من المضمون من جانب المؤسسة القطرية لم ينطلِ على العديد من أعضاء الكونجرس الذين تتوفر لديهم كافة الحقائق والتفاصيل حول هذا الملف.

حقيقة الأمر أن الجزيرة تُعدُّ أداة إعلامية ودعائية في يد أمير قطر، وحتى وقت قريب كانت أوراق تسجيل قناة الجزيرة تحمل اسمه هو، وقد جاء هذا في رسالة الكونجرس السابق ذكرها؛ إذ قالت نصًا “تُظهر المستندات المودعة في المملكة المتحدة أن القناة الدولية التابعة لشبكة الجزيرة كانت تحت سيطرة أمير قطر حتى عام 2018، وبعد ذلك تم تغيير اسم التسجيل من أمير قطر إلى (شبكة الجزيرة الإعلامية)، علمًا بأن رئيس مجلس إدارة هذه الشبكة هو الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني أحد أفراد العائلة القطرية المالكة، وله انخراط أساسي في العلاقات الخارجية ما بين قطر والدول الأخرى نيابة عن الأمير القطري.

خطاب الكونجرس ذكر أيضًا أنه في يناير 2020 وبمعزل عن سلطة إدارة شبكة الجزيرة أصدر الأمير القطري قانونًا يُحظر على شبكة الجزيرة وجميع وسائل الإعلام القطرية نشر أية (شائعات أو تصريحات كاذبة أو متحيزة) أو أخبارًا تحريضية أو دعائية داخليًا أو خارجيًا تستهدف الإضرار بالمصالح الوطنية القطرية أو إثارة الرأي العام أو إثارة قلاقل اجتماعية أو التعدي على السلطة السياسية للدولة، علمًا أن هذا القانون تضمن عقوبات بالسجن لكل من يخالف هذه البنود.

هذه النقطة تضرب حسب رأي كاتب المقال ادعاءات الجزيرة حول استقلالية سياستها التحريرية في الصميم، فمن الممكن وفقًا لهذا القانون مقاضاة وسجن مراسليها لنشرهم أي أخبار في أي مكان من شأنها (الإضرار بالمصالح الوطنية القطرية) وهو معيار غامض ومستحيل وضع محددات واضحة له، وقد أدانت جماعات حقوق الإنسان هذا القانون لكنه حتى الآن لم يتم تطبيقه بشكل فعلي على قناة الجزيرة.الرد التقليدي لقناة الجزيرة على هذه الإجراءات ضدها كان عبر الترهيب الإعلامي العدائي الذي يستهدف إسكات منتقديها، فمثلًا عندما طالب سابقًا عضو الكونجرس جاك بيرغمان وهو أحد الموقعين على رسالة الكونجرس السابق ذكرها بامتثال الجزيرة لقوانين لجنة الاتصالات الفيدرالية زجت مؤسسة الجزيرة بمحاميها في محاولة قاسية لترهيبه وإسكاته.

على الرغم من أن قناة الجزيرة قد أنفقت خلال العام الماضي وحده ما يقرب من 1.8 مليون دولار على جماعات الضغط إلا أنها في النهاية لا تشكل سوى قطاع صغير ضمن الحملات القطرية لبسط النفوذ وهذا ما أوضحه لي سميث الباحث في معهد هدسون حيث قال “لقد نفذت قطر الخطة الأكثر تطورًا واستدامة ونجاحًا من قبل أي دولة أجنبية أو مجموعة مصالح للتأثير بشكل كبير في توجهات السياسة الغربية – خاصة الرأي العام الأمريكي- وتوجيهه في اتجاهات تخدم مصالحها”. وقد تضمنت هذه الخطة دعم جماعات الضغط وشن حملات إعلامية وصحفية على مستويات عدة وهذا كله استهدف تحسين صورة قطر وزيادة نفوذها السياسي في أمريكا وأوروبا.

من ثم يرى الكاتب أنه على الرغم من الدعوات المتكررة التي طالبت بتسجيل قناة الجزيرة وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، وكذا إقرار قوانين لجنة الاتصالات الفيدرالية الجديدة لم يتم اتخاذ سوى القليل من الإجراءات، وهذا يعزى إلى نجاح الحملة القطرية المستمرة للتأثير في الرأي العام ومراكز صنع القرار في الولايات المتحدة، في حين لم تتمكن دول مثل الصين وروسيا في حصد نجاح يذكر في هذا الصدد مقارنة بقطر.

مع ذلك فإن تسجيل القنوات التركية وفق قانون تسجيل الوكلاء الأجانب وكذا بدء الكونجرس في تناول ملف قناة الجزيرة وانتهاكاتها الواضحة للقوانين الأمريكية خاصة قانون تسجيل الوكلاء الأجانب أثبت أن توجهات الجزيرة لن تنجو في النهاية من المحاسبة ومن التصدي الناجح لها فقد نجحت في خداع البعض في الولايات المتحدة خلال المرحلة السابقة لكنها لم تفلح في خداع الكونجرس ولن تفلح في خداع وزارة العدل.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد