الدكتورة / سالي شعراوي تكتب لـ”استثمارات”: تسعير مبيعات النفط السعودى باليوان الصينى

تدرك السعودية مكانتها الاستراتيجية  والدينية فى منطقة الشرق الاوسط ، وعلى هذا الاساس تتفاعل مع  القوى الكبرى فى النظام الدولى ومنها الصين ، ثم جاءت احداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 ، بحيث أوجدت موقفاً متقارباً بينها وبين الصين لتضيف بعداً جديداً من ابعاد التنسيق بينهما فى مواجهة الدور الامريكى ، وتسعى هذه الورقة إلى تحليل ما تم تداوله عن دراسة السعودية لقبول التعامل باليوان مقابل مبيعات النفط ، من خلال النقاط الآتيه :

أهمية الشراكة السعودية الصينية

وضعت اسس التعاون العسكرى بين الدولتين بمقتضى الاتفاق المبرم بينهما عام 1985 والذى بموجبه حصلت السعودية على صواريخ CSS2 ” رياح الشرق ” [1] وفيما يخص العلاقات الاقتصادية ، أشارت الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية إلى أنه فى شهر فبراير 2022 بلغت قيمة صادرات المملكة إلى الصين 4,931 مليار دولار ، وقيمة الواردات من الصين  2,932 مليار  دولار  [2] ، كما حافظت السعودية على مرتبتها كأكبر مُصدر للنفط إلى الصين عام 2021، بزيادة 3.1% مقارنة بالعام 2020 [3].

وبلغ حجم صادرات النفط السعودى إلى الصين خلال شهر ديسمبر 2021  قرابة 1.76 مليون برميل يومياً ً[4] من أصل 6.2 مليون برميل تستهلكها الدول الصناعية الاسيوية يومياً.

دوافع السعودية لدراسة قبول التعامل باليوان

قدمت الصين مشروع عقود النفط المسعرة باليوان في عام 2018 إلى المُصدر الخليجي لجعل عملتها قابلة للتداول في جميع أنحاء العالم، لكن الجهود المشار اليها توقفت قبل أن تتسارع العام الحالى .

ويمكن القول أنه توجد عدة تفسيرات منها أن هذه الخطوة إذا ما تم تنفيذها تعتبر ورقة ضغط فى يد السعودية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية ، من منطلق عدم رضا الاولى عن الالتزامات الأمنية الأمريكية للدفاع عن المملكة ، وموقف الولايات المتحدة من الملف النووى الايرانى ، بالإضافة الى سعى السعودية  للحصول على دعم من الولايات المتحدة بشأن التدخل في اليمن .

كما أنه منذ تولي الرئيس الأمريكي الحالى جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة  تراجعت العلاقات الأمريكية على نحو نسبى مع كل من المملكة السعودية ودولة الإمارات، الأمر الذي أحدث حالة من الجمود انعكست على سبيل المثال على عدم اكتراث السعودية بالمطالبات العديدة للرئيس الأمريكي بضرورة زيادة الإنتاج النفطي خلال الفترة الحالية بهدف خفض أسعار النفط .

ومن ناحية اخرى أصبح الاعتماد الرئيسى على الدولار بمثابة خطر أبرزته تداعيات العقوبات الأميركية المدمرة على إيران وروسيا .

موقف الصين ودول شرق اسيا

زادت واردات الصين من النفط خلال العقود الثلاثة الماضية وعلى سبيل المثال قفزت واردات الصين من النفط الخام من السعودية بنسبة 38% فى شهر ابريل 2022 بالمقارنة بالعام الماضى لتسجل اعلى حجم شهرى منذ مايو 2020[5] ، وإذا ما تم تسعير مبيعات النفط  باليوان فإن هذه المبيعات ستعزز مكانة العملة الصينية (ارتفع اليوان الصينى بنسبة 0,1 % مقابل الدولار مؤخراً) .

كما تسعى الصين الى ترويج عملتها فى الاسواق الخارجية ، وسبق أن قام بنك الشعب الصينى  باتخاذ اجراءات تسمح بإتاحة اليوان الرقمى فى التعاملات .

ومن نحية اخرى توتر العلاقات الصينية الأمريكية ، وخشية الصين من العقوبات الأمريكية التى تجلت مظاهرها فى الحرب الروسية الاوكرانية  ؛ لذلك تسعى بكل السبل إلى تقليل أثر تلك العقوبات.

وعلى الرغم من إشارة بعض المواقع الصحفية الى نفى المسئولين بالسعودية لوجود المباحثات مع الصين فى ذات الشأن ، إلا أن العلاقات مع الصين لا يمكن اغفال اهميتها حيث تقوم بتقديم الحوافز المربحة للسعودية ، وتصفها الأخيرة بالمرونة مما يؤكد نسبياً صحة وجود مباحثات فيما بينهما .

ومن ناحية أخرى ساهمت العقوبات الامريكية على إيران فى توجه الصين نحو السعودية لاستيراد النفط  [6] ، كذلك ستقوم أرامكو السعودية ببناء مشروع تكرير بقيمة 10 مليار دولار في الصين   [7].

ويمكن القول أن تسعير مبيعات النفط باليوان سوف يساهم فى إعطاء دفعة للاستيراد من الصين ، من خلال الحصول على عملتها وإعادة الشراء بها ، لكن تلك الخطوة تتطلب تعديلات فى الاجراءات المالية من خلال الحكومة الصينية الخاصة بتحرير العملة ، بخلاف الوضع الحالى ، وإذا تم تحرير العملة الصينية يُمكن ألا يكون ذلك موضع قبول للصين لأنه سيرفع من تكلفة  الصادرات الصينية ، كذلك فإن أى خطوات فى هذا الاتجاه ستكون تدريجية فى حالة خروجها الى حيز الواقع  لأن الحكومة الصينية  تضع قيود على حركة الاموال حتى لا ينعكس ذلك على سوق السندات  الصينى ومستوى السيولة [8] .

ومن جانب آخر ، فإن الامر فى حالة تطبيقه قد ينسحب على باقى العملات الاسيوية مما يُعزز من قيمتها ، ويكون خطوة تجاه التعددية النقدية ، حيث أن 77% من صادرات النفط السعودى تتجه لآسيا ، 1,76 مليون برميل يومياً يتجه للصين بنسبة 26% ، 15% لليابان ، 13% كوريا الجنوبية ، 11% للهند .

تداعيات الموقف على الولايات المتحدة

اشارت بعض الصحف الى النفى الامريكى لإمكانية اتخاذ مثل هذه الخطوة الى لن تنسحب على كافة انواع الصادرات خاصة وأن اغلب المدفوعات النقدية قائمة على ” الدولار ” .

وعلى سبيل المثال نجد أن الدولار تم استخدامه بنسبة 88% عام 2019 على مستوى مدفوعات النقد الاجنبى ، بالمقارنة بنسبة 4.3 % لليوان الصينى [9] ، وحتى داخل الصين ذاتها ، نجد أن المستثمرين يفضلون التعامل النقدى بالدولار تماشياً مع النظام المالى والنقدى العالمى السائد ، كما أن  قيمة الديون الخارجية المقومة بالدولار لدى البنوك الصينية قفزت الى 474 مليار دولار امريكى بالمقارنة بـ127 مليار دولار امريكى  ) زيادة فى الاوراق المالية المقومة باليوان )[10] .

كما اثار هذا الخبر التكهنات حول ما يسمى بانتهاء عصر البترو دولار وخلق نظام موازٍى للنظام المالي العالمي الحالى ، وأن مكانة الدولار كعملة احتياطية دولية قد تتآكل من اساسها إذا فكت دول مجلس التعاون الخليجى ربط عملاتها بالدولار

ومن الجدير بالذكر أن عصر البترو دولار بدأ عام 1974 حين توصلت السعودية لاتفاق مع الولايات المتحدة لتسعير صادرتها النفطية بالدولار .

لكن يرى محللون أن قيمة صادرات النفط يُمكن أن تبلغ خلال العام الحالي 2.6 تريليون دولار[11]   وهي قيمة تتطلب وجود سيولة كبيرة من العملة .

كما أن الولايات المتحدة تُعد إحدى الدول المصدرة للنفط، ما يعني أن لها دوراً في التأثير على أسعار النفط للضغط على الاقتصاد السعودي ، بالاضافة للدور الفعال الذي تلعبه الولايات المتحدة  في الشرق الأوسط فيما يخص دعم جماعة الحوثيين وما يشكله ذلك من تهديد للسعودية وغيرها ،  وبالتالى فإن التصعيد  ( السعودى الامريكى ) من غير المحتمل أن يصل الى مستويات جذرية .

واشارت بعض التحليلات أن التحول الحاسم من جانب السعودية نحو الصين  ليس مضمونًا من حيث النتائج ، فإذا ارتضت السعودية  باليوان ( على سبيل المثال ) مقابل 25٪ من مبيعات النفط الخام ، فإن 75٪ أخرى ستظل بالدولار .

لكن يرى الاتجاه الاخر الذى يولى احتمال تطبيق تلك السياسة أهمية ذات دلالة أن هذه الخطوة سوف تشجع دولاً أخرى -غير متوافقة مع الولايات المتحدة حالياً – بتسعير صادراتهم الصينية باليوان أيضاً مثل روسيا وأنجولا والعراق ، ومن شأن تسعير النفط السعودي باليوان أن يقلل على نحو نسبى من هيمنة الدولار على سوق الطاقة ، وهو النظام الذي اعتمدت عليه واشنطن طوال عقود لطباعة أذون الخزانة لتمويل عجز ميزانيتها [12]، وبالتالى فإن الاقتصاد الامريكى من المحتمل أن يتأثر على نحو سلبى من جراء تداعيات اتخاذ هذا القرار.

السيناريوهات

  • التأييد لخطوة التعامل باليوان دعماً لمفهوم التعددية القطبية وحتمية عدم الاعتماد على الدولار بالأساس فى التعاملات النقدية ، مهما كانت درجة قوته واستمراريته فى التداول عبر عقود طويلة ، فالأزمات الدولية تنبئ عن أن النتيجة تشبه كرة الثلج  إذا ما حدث خلل فى عملة دولة أو اوضاعها السياسية  وعلى سبيل المثال تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية من حيث ارتفاع اسعار الغذاء والطاقة والسياحة  والنفط ، كذلك كانت العقوبات على روسيا وتقييد احتياطاتها الدولارية من العوامل الاساسية لانتشار فكرة السعى نحو التخلص من هيمنة الدولار على النظام المالى.

ومن الجدير بالذكر أن الحرب فى اوكرانيا ساهمت فى زيادة سعر النفط الخام الى اكثر من 100 دولار للبرميل ، بالإضافة الى انعكاساتها على الصين بالنظر الى التكامل الاقتصادي الصيني الروسي حيث تذهب مصادر الطاقة والمواد الخام إلى الصين فيما تنتقل المنتجات الصناعية الصينية إلى روسيا .

وتبين خلال الحرب الروسية الاوكرانية  أن تجميد الاحتياطيات الاجنبية  لروسيا يعنى أن هذه الاحتياطات لا توفر ملاذاً آمناً ، وبالتالى فإن دولاً أخرى قد تفكر فى أن تنويع الاحتياطات بالنقد الاجنبى يعطيها ضمانات أكبر من الاعتماد بشكل رئيسى على الدولار.

وتجدر الاشارة إلى أن 17% من التجارة البينية بين روسيا والصين تُقدر باليوان الصينى ، كما أن شركة جاز بروم الروسية كانت اول شركة تقبل التعامل باليوان لتزويد الطائرات الصينية بالوقود .

ويرى بعض المحللين أنه فى حالة التوسع فى التعامل باليوان ، فسيتم سحب ما يتراوح بين 600 الى 800 مليار دولار من المعاملات ، بالإضافة الى تقييم مبيعات المنتجات الصينية من الخدمات والسلع والاوراق المالية والسندات باليوان .

  • استبعاد الفكرة بالنظر إلى ارتباط الدولار بهيكل النظام المالى العالمى ، كما ترتبط دوافع السعودية الخاصة بإمكانية قبول اليوان بعامل خارجى وهو تذبذب العلاقة الثنائية مع الولايات المتحدة وليس فقط أهمية الصين كشريك استراتيجى ، كما أنه ليس من المؤكد بالنسبة للصين مدى قبولها المطلق لتداعيات الموقف حال تطبيقه بالنظر الى تأثيره على امكانيات التصدير الخاص بها إذا ما ارتفعت قيمة اليوان .

وتوصلت الباحثة إلى أن تطبيق قبول التعامل باليوان يقع فى دائرة  (الاحتمال) على المدى الطويل ، وليس القصير، مما يعطى انطباع بضرورة تمسك دول الشرق الاوسط فى علاقاتها بما يعرف بالمرونة السياسية استناداً إلى الآتى :

  • الشروط الرئيسية للعملة التى يتم تسعير النفط على اساسها وهى السيولة ، الاستقرار والقبول العالمى ، والتى يصعب تحققها فى العملات الاخرى باستثناء الدولار .
  • التوجه نحو التعامل باليوان له خطورة فى حالة إذا ما صدقت التوقعات الخاصة بإمكانية اقدام الصين على غزو تايوان ، واحتمالات  تطبيق العقوبات الاقتصادية عليها ، خاصة فى ظل توتر العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة والتحفز الامريكى لها إزاء أى خطوة غير مدروسة ، مما ينعكس بالضرورة على الدول التى تتعاون معها .

وإن كانت خطوة غزو الصين لتايوان ترتبط فى رأى الباحثة بالمدى الطويل خاصة وأن الصين تضع دوماً على رأس أولوياتها متطلبات التنمية الاقتصادية التى تستبعد الخطوات ذات التداعيات السلبية .

  • ليس من المرجح فى حالة اقدام السعودية على الخطوة المشار اليها أن تطبق الدول الخليجية ذات السياسة ، بالنظر إلى أن دول الخليج ربطت منذ عقود عملتها بالدولار لأنه يقلل مخاطر اسعار الصرف الأجنبي فى ضوء أن  جانباً كبيراً من إيراداتها يأتى من النفط الذى يتحدد سعره بالدولار .

التوصيات

  • استمرارية التعامل بالدولار لتسعير مبيعات النفط فى ضوء التداعيات الاقتصادية المترتبة على الحرب الروسية الاوكرانية وارتفاع اسعار الطاقة ، كما أن قبول التعامل باليوان قد يقوم بتضييق التعاملات النقدية الخليجية فيما يخصه ، لأنه سيقتصر فى تداوله على الصين ذاتها .
  • التركيز على تفعيل مبدأ التنويع الاقتصادى  ، والسعى لمجالات متنوعة بخلاف النفط من خلال آليات أبرزها:
  • اعتماد اطار عمل مالى يخصص عائدات النفط والغاز للاستثمارات .
  • تمكين قطاع خاص موجه نحو التصدير لا يعتمد فى نموه على النفط والغاز .
  • تدعيم امكانيات الايدى العاملة خارج نطاق القطاع العام بالتزامن مع المزيد من الاصلاح فى مجال التعليم .
  • تدعيم البنى التحتية والمناطق الحرة لتنافس المصنعين منخفضى التكلفة فى آسيا ، بالاضافة الى تطوير منظومة تكنولوجية تنافسية ، وتدعيم السياحة.
  • اهمية التوازن الاستراتيجى ما بين العلاقات الصينية الخليجية والعلاقات الامريكية الخليجية بالنظر الى غلبة الطابع الاقتصادى على الاولى بينما ترتبط العلاقات الامنية والسياسية بدرجة اكبر بالولايات المتحدة ، وبالتالى فإن اجندة العلاقات الخارجية لابد أن تقوم على عدم ترجيح كفة دولة على باقى الشركاء الدوليين .

أهمية الفصل بين الدوافع السياسية والقرارات الاقتصادية ، حيث أن خضوع النشاط الاقتصادى الى اعتبارات سياسية وتوازنات بين دول الخليج والقوى الكبرى يُزيد من حجم المخاطر وينعكس بالسلب على الاستثمارات ، فمما لاشك فيه أن أهمية الصين تتزايد على الساحة الاقتصادية لكن السعى لاتخاذ خطوات تجاهها بناءً على تقديرات متصلة بالعلاقة مع الولايات المتحدة ، لا يمكن الجزم بتداعياته المستقبلية الخاصة بالمخاطر المالية والنقدية على المدى المتوسط والطويل .

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد