الشراكة الصينية الإسرائيلية: ما بين المحاذير الامريكية…والتأثير على الامن القومى العربى

بقلم/ د.سالى شعراوى


يعيش العالم اليوم بكافة دُولة المتقدمة والنامية على السواء ما يُعرف بعصر الاقتصاد فلم يعد السياق الدولى يحتمل الأيديولوجيات والطموحات التى تمتزج فيها السياسة بالأحلام والتطلعات نحو عالم يسوده المبادئ والقواعد الدولية التى تحقق المساواة وتتطبق معايير صارمة على الدول .
وفى هذا الاطار نجد أن الصين خير ممثل لهذا المبدأ ، فهى تضع التقدم الاقتصادى نبراسا لها يحكم حركة تفاعلاتها الدولية والاقليمية ، وهى في ذلك مثل أى سياسى محنك يسعى لكسب ود كافة الاطراف وإن تفاوتت نسب نجاحه في ذلك بطبيعة الحال .
فالصين تُقيم العلاقات الاقتصادية مع دول المنطقة العربية وكذلك إيران ، وتضع نصب اعينها تداعيات موقف الولايات المتحدة الامريكية على اقتصادها وتدرس تحركاتها السياسية على هذا الاساس ، وكذلك علاقتها بإسرائيل محل الدراسة التى تسعى الى تناول تحليل موجز عن مسار العلاقات الصينية الاسرائيلية والاجابة عن تساؤل يتعلق بتداعيات ذلك على دول المنطقة العربية وأمنها القومى ، ولكن في ضوء مراعاة تغيرات السياق الدولي والعقلية السياسية التى تحكم كافة الدول في عصر الشركات متعددة الجنسيات والعولمة الاقتصادية التى فرضت ثقافتها على الدول والافراد على حد سواء .
بداية تجدر الإشارة إلى أن اسرائيل كانت اول دولة في الشرق الاوسط تعترف بجمهورية الصين الشعبية عند اعلانها سنة 1949 وأيدت سياسة الصين الواحدة ، وكانت بداية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين على الرغم من ذلك عام 1992 ( التفاعلات الثنائية التعاونية تسبق هذا التاريخ ) .
ومنذ ذلك الوقت صارت الصين أكبر ثالث شريك تجارى لإسرائيل على مستوى العالم والشريك التجارى الاكبر في شرق اسيا ، وعلى سبيل المثال زاد حجم التجارة من 50 مليون دولار عام 1992 إلى 15 مليار دولار عام 2013 .
ويمكن القول أن هدف الصين الرئيسى من العلاقة مع اسرائيل كما صرح رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو ، هو التكنولوجيا ، بينما هدف اسرائيل المحورى هو تنويع اسواق تصدير بضائعها واستثماراتها الخارجية ، ونجد أن نقل التكنولوجيا العسكرية من اسرائيل إلى الصين كان اساس هذه العلاقات منذ سنة 1979 حتى عام 2005 ، إذ تم في تلك الفترة أكثر من 60 صفقة لنقل التكنولوجيا من اسرائيل إلى الصين بقيمة تقدر بمليارى دولار
لكن لا نغفل عن دور الولايات المتحدة في وضع بعض المحاذير وعلامات الاستفهام التى تساهم في بعض التقييد للعلاقات الصينية الاسرائيلية ، حيث سبق للولايات المتحدة أن قامت بإحباط صفقات بين الصين واسرائيل منها على سبيل المثال لا الحصر صفقة طائرات بدون طيار التى تمت سنة 2005 ، لكن التعاون الاقتصادى قائم بين الصين واسرائيل خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى الصين عام 2013 حيث اصدر امرا حكوميا بتوسيع العلاقات في جميع الجوانب ” التى لا تثير حساسية للولايات المتحدة على نحو نسبى بالطبع “حيث قامت وزارة الاقتصاد الاسرائيلية بفتح مكاتب في الصين .
ومن جهتها ، ترى الصين أن اسرائيل لاعب سياسى في الشرق الاوسط لا يمكن تجاهله بالإضافة إلى دور اسرائيل في مبادرة الحزام والطريق بحيث تكون الاخيرة بمثابة جسر يصل ما بين خليج العقبة وقناة السويس .
وبوجه عام يرى الكثير من المحللين أن التحالف الإسرائيلى الامريكى متماسك في العديد من ابعاد العلاقة عدا الجانب الخاص بالعلاقات الصينية الاسرائيلية ، فالصفقات بين الصين واسرائيل تمتد لتشمل العديد من المجالات منها صفقة مع شركة علم الوراثة الصينية BGI بقيمة 25,7 مليون دولار ( أكبر شركات الـ DNA وعلم الوراثة فى العالم ) لشراء معدات تتيح لإسرائيل القيام بعشرة الآف اختبار لوباء كورونا يوميا ، وكذلك اتفاق مع مجموعة شنغهاى العالمية للموانئ يقضى بقيام المجموعة بتطوير وإدارة ميناء حيفا لمدة 25 عاماً ، والذى تمر عليه السفن الحربية الامريكية باستمرار ، وغيرها من الاتفاقيات وانماط الشراكة ، حيث تعمل الشركات الصينية فى العديد من المجالات منها بناء المنشآت الحيوية والمشاريع الانمائية فى اسرائيل ، وهو الامر الذى لا تقبله الولايات المتحدة التى ترى أن تغلغل الصين فى إسرائيل يُمكن أن يعيق قدرة واشنطن على تبادل المعلومات الاستخبارتية مع اسرائيل ، بالإضافة إلى غضب الولايات المتحدة من حجم الزيارات المتبادلة والصفقات المشتركة بين الصين واسرائيل ، كما عبرت عن اعتراضها على قيام الصين بشحن كمامات ومعدات طبية خاصة بمواجهة فيروس كورونا إلى اسرائيل .
ومن الجدير بالذكر فى هذا الاطار ، قيام بكين بتوقيع اتفاقية مع اسرائيل لبناء أكبر محطة تحلية لمياه البحر على الشواطئ الفلسطينية لخدمة المشاريع الاسرائيلية حيث ستتمكن هذا المحطة من تحلية أكثر من مليونى كوب من مياه البحر يوميا وهو ما يغطى نسبة 25% من احتياجات اسرائيل للمياه العذبة.
كذلك تعترض الولايات المتحدة على قيام اسرائيل بتأجير ميناء حيفا للصين ، بالإضافة إلى قلقها من من قيام شركات اتصالات صينية بالدخول فى مناقصات لبناء شبكات خلوية فى إسرائيل .
إّذن نجد أن التعاون الصينى الإسرائيلي مطروح بقوة على الساحة الاقتصادية الدولية ويطرح إشكالية تسعى الولايات المتحدة إلى الحد منها بدعوى انعكاساتها السلبية على علاقتها الامنية بإسرائيل ويدخل ذلك أيضاً فى إطار المنافسة الاقتصادية الدولية بين الولايات المتحدة والصين .
لكن إذا ما تم النظر إلى العلاقات الصينية الإسرائيلية من منظور انعكاساتها على الامن القومى العربي ، هل يمكن النظر إلى طبيعة العلاقات الثنائية بين الصين وإسرائيل على أنها تهديد سافر للأمن القومى العربى سواء على المدى القصير أو المتوسط ، خاصة وأن الصين تتواجد اقتصاديا فى المنطقة العربية والشرق الاوسط بوجه عام ؟
يمكن القول أنه توجد مجموعة من الاسباب التى تدفع للاعتقاد بعدم تأثير العلاقات الصينية الاسرائيلية على الامن القومى العربى فى حد ذاتها بصرف النظر عن خطر الكيان الصهيونى الممتد لعقود فى المنطقة العربية :
أولاً: تحرص الصين على الاحتفاظ بعلاقتها بكافة الاطراف العربية والدولية حفاظاً على معدلات النمو الاقتصادى الخاصة بها ، والإبقاء على فرص التصدير إلى دول العالم الخارجى دونما تحيز صريح لأحد الاطراف يؤدى إلى إتلاف فرص الشراكة مع طرف آخر .
ثانياً: لا تتداخل الصين فى شئون المنطقة العربية والشرق الاوسط سياسياً من المنظور التنفيذى الفعال إذا جاز القول فهى وإن كانت تتخذ مواقف لها دلاله ودرجة من درجات التأثير مثل دورها فى الملف النووى الإيرانى على سبيل المثال ، واستخدامها لحق التصويت فى مجلس الامن فى بعض القضايا التى تمس المنطقة، إلا أنها ليست لاعب سياسى فاعل بالمقارنة بالولايات المتحدة الامريكية التى كانت ومازالت تسيطر على مقدرات المنطقة بكافة الاساليب والوسائل سواء العلنية أو التى لا تظهر على السطح فى بعض الحالات ، ومن ثم تتفاقم خطورة التواجد الامريكى وعلاقة الولايات المتحدة بإسرائيل بالمقارنة بالحضور الصينى فى المنطقة العربية .
ثالثا: لا تستند الصين فى مواقفها بالأساس على اتجاه سياسى أو أيديولوجي ، إنما هى تندرج فى سلوكها تحت الاطار العام السابق الإشارة إليه فى بداية المقال عن عصر الاقتصاد وغلبة الاعتبارات العملية والتنموية على أية مكون آخر من مكونات النظام الحاكم لحركة التفاعلات بين الدول .
لذا يمكن القول أن التفاعلات الاقتصادية فيما بين الصين واسرائيل مرشحة للاستمرار بالتوازى مع النمو المطرد بنسب متفاوتة فى معدل العلاقات الصينية العربية دونما تداعيات سياسية حاسمة على المنطقة ، وفى ذلك خير بيان لواقع النظام الدولى المعاصر القائم على العولمة الاقتصادية وتغليب مبادئ الشراكة الاقتصادية على المبادئ السياسية التقليدية .
* الدكتورة سالي شعراوي: باحثة في العلوم السياسية وحاصلة على الدكتوراه في العلاقات الدولية.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد