سلام السودان .. بصمات إماراتية

أسماء الحسيني، سمر إبراهيم (الخرطوم، جوبا)

لا تزال أصداء المشهد التاريخي لتوقيع اتفاق السلام بين الحكومة السودانية والحركات المنضوية تحت «الجبهة الثورية» تتوالى فصولاً، ممهدة الطريق لإنهاء حقبة الحروب والصراعات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وبدء مرحلة جديدة من مسيرة الأمن والاستقرار والتنمية في عموم السودان.
لم تكن ولادة الاتفاق الذي شهد التوقيع النهائي يوم الثالث من أكتوبر في جوبا، سهلة، وإنما جاءت بعد مخاض طويل من المفاوضات استغرقت نحو عام كامل، كانت حافلة بالكثير من المطبات والانتكاسات، لكنها في الوقت نفسه كانت مدعومة ببصمات قادرة على تفكيك أي عقدة، لا تعرف اليأس أو المستحيل.. إماراتية.

دعم فني ولوجستي
يقول مسؤول بارز في وفد التفاوض الحكومي السوداني لـ«الاتحاد»: «في الحقيقة كان إيمان الإمارات بتحقيق السلام في السودان، دافعاً كبيراً لأطراف عملية التفاوض بحتمية الوصول إلى اتفاق، وما تزال هناك الكثير من أسرار التفاوض عن مواقف كان يمكن أن تفجر المفاوضات، لولا تدخل الإمارات في الأوقات المناسبة خلال الأشهر الـ12 الماضية، والتي ستكشف عنها الأيام المقبلة»، ويقول مصدر حكومي آخر لـ«الاتحاد»: «إننا نقدر الدعم المالي واللوجستي الكامل، الذي وضعت فيه الإمارات إمكاناتها المختلفة في متناول يد الوسيط (جنوب السودان) والمتفاوضين».
«حرص المسؤولون في الإمارات منذ البداية على التواجد والمشاركة، بإيفاد فريق فني لدعم التفاوض قام بلعب دور إيجابي جداً».. هذا ما أكدته أيضاً لجنة الوساطة التي شكلتها حكومة جوبا، ومصادر في وفدي التفاوض لـ«الاتحاد»، قائلة: «من المؤكد أن المساهمات اللوجستية الكبيرة التي قدمتها الإمارات لجنوب السودان لعبت دوراً كبيراً في إنجاح الوساطة بين أطراف التفاوض المختلفة، إذ سهلت ودعمت قدرتها على استضافة فرق التفاوض استضافة كاملة لمدة 12 شهراً».
ويوضح مقرر لجنة الوساطة في مباحثات السلام ضيو مطوك لـ«الاتحاد»: «أن دور الإمارات كان كبيراً في دعم إنجاز اتفاق السلام، والتوصل إلى التوقيع النهائي»، وينوه بشكل خاص بجهود صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قائلاً: «إن دوره كان محورياً وبناءً في دعم إنجاز الاتفاق التاريخي».

تحقيق التوافق
ويؤكد رئيس الجبهة الثورية السودانية الهادي إدريس أيضاً لـ«الاتحاد»، أن الإمارات لعبت دوراً بارزاً في إنجاح مسار عملية السلام في السودان، ويقول: «ظلت الإمارات تستمع لكل الأطراف، حريصة على تحقيق التوافق بين الأطراف، وهدفها التوصل إلى اتفاق شامل ينهي الحرب والدمار، ويحقق السلام والأمن والاستقرار للسودانيين جميعاً».
بذلت الإمارات جهوداً ضخمة وحثيثة لتذليل العديد من العقبات والتحديات، التي كانت تحول دون توافق الأطراف المنضوية تحت كيان «الجبهة الثورية» على منبر جوبا، وكذلك التعثر الذي شهدته جلسات المباحثات بين الحكومة السودانية وأطراف الجبهة التي تضم حركة العدل والمساواة في دارفور، وحركة تحرير السودان في دارفور، والمجلس الثوري الانتقالي في دارفور، والحركة الشعبية لتحرير السودان (جناح مالك عقار) في جنوب كردفان والنيل الأزرق، خلال المفاوضات الشاقة على مستوى المسارات الخمسة للاتفاق، وفق ما يقول أحد المصادر، مشيراً أيضاً إلى البرنامج الزمني للمفاوضات الذي تقرر تمديده أكثر من مرة لأسباب أبرزها فيروس «كورونا المستجد».
وتقول المصادر السودانية والجنوب سودانية لـ«الاتحاد»، إن دور الإمارات لم يقتصر على تقديم الدعم المادي فقط، ولكن في منتصف أغسطس الماضي، قبل التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، حضر إلى «جوبا» وفد رفيع المستوى، والتقى بقادة الجبهة الثورية وأطراف العملية السلمية، مؤكداً دعم ورعاية عملية السلام، والمشاركة في دعم تنفيذ استحقاقات السلام، والعمل على دفع سير عملية التفاوض، لا سيما أنه في تلك الفترة كان هناك عدد من القضايا العالقة في ملف الترتيبات الأمنية، أبرزها «آلية التنفيذ، وفترة دمج قوات الحركات المسلحة مع الجيش».
وتؤكد المصادر أن الوفد الإماراتي ظل يتابع عن كثب سير المفاوضات مع قادة الجبهة الثورية والحكومة السودانية، وكذلك مع لجنة الوساطة الجنوبية، ولم يغادر جوبا حتى تم التوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى في 31 أغسطس الماضي، كما حرص على حضور جميع فعاليات التوقيع على بروتوكولات المسارات كافة قبل التوقيع بالأحرف الأولى أيضاً، وتضيف أن إقدام الإمارات على تقديم الدعم اللوجيستي والمادي للمفاوضات في جوبا، وكذلك لترتيبات التوقيع بالأحرف الأولى على الاتفاق، كان له أثر بالغ في نجاح مراسم التوقيع النهائي في الثالث من أكتوبر.

مؤتمر للمانحين
وقد أجمعت أطراف اتفاق السلام في الوساطة وأطراف التفاوض على ضرورة استمرار الدور الإماراتي حتى تتحول بنود ونصوص اتفاق السلام إلى واقع ملموس يعيد الاستقرار إلى المشهد السوداني، ويفتح آفاق الاستقرار والتنمية والتعاون في دولتي السودان وجنوب السودان، ومع إجازة تضمين الاتفاق في الوثيقة الدستورية في 12 أكتوبر، كشفت مصادر سودانية رفيعة المستوى لـ«الاتحاد» عن أنه من المقرر أن تتسلم الإمارات قريباً دعوة رسمية من رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبدالفتاح البرهان، للمشاركة بقمة مع رؤساء الدول التي وقعت بصفتها ضامناً أو شاهداً على الاتفاق لبحث آليات تنفيذه ودعمه، وذلك في ظل الترتيب لعقد مؤتمر للمانحين، من أجل توفير التمويل اللازم لتنفيذ بنود الاتفاق بكافة مساراته، وهي «مسار دارفور، المنطقتين، الشمال، الشرق، والوسط».

حميدتي لـ«الاتحاد»: الإمارات دعمت تثبيت تفاوض «منبر جوبا»
أشاد النائب الأول لرئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي» بالعلاقات بين بلاده والإمارات، ووصفها بـ «الحميمة والطيبة»، وقال: «إن الإماراتيين أشقاء السودانيين، وقدموا الدعم لبلاده في مختلف المراحل التي مَرت بها وحتى الوقت الراهن»، وأضاف في تصريح لـ«الاتحاد»، أنه في بداية انطلاق مسيرة التفاوض مع أطراف العملية السلمية، كانت هناك تساؤلات أين سيكون المنبر الذي سيتم التفاوض فيه، في جوبا أم في عاصمة أخرى؟ لا سيما أن هناك من كانت له آراء مخالفة لذلك، ولكن الإمارات دعمت تثبيت التفاوض في «منبر جوبا»، ولها الفضل في ذلك، وهذا جُهد مقدر ومشكور على القيام به، وتوقع أن تقدم الإمارات دعماً أيضاً لتنفيذ اتفاق السلام خلال المرحلة المقبلة.

أحزاب سودانية : خير الإمارات يصعب حصره
قال نائب رئيس حزب الأمة السوداني صديق الصادق المهدي، لـ«الاتحاد»: «إن دعم الإمارات الكبير لعملية السلام في السودان محل تقدير»، وأضاف: «إن الإمارات وقيادتها يدركون أن عدم استقرار السودان يهدد المنطقة بأسرها»، فيما قال رئيس حزب التحالف الوطني السوداني القيادي بقوى الحرية والتغيير كمال إسماعيل، لـ«الاتحاد»: «إن أيادي الإمارات الممدودة بالخير لأشقائها في السودان يصعب حصرها، وتلقى كل التقدير والوفاء من جميع أهل السودان»، وقال القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي السوداني محمد سيد أحمد سر الختم، لـ«الاتحاد»: «إن مواقف الإمارات تجاه السودان تتوج العلاقات الأزلية التي تربط الشعبين الشقيقين، وعلاقات المصير المشترك والإخوة الصادقة».

الاتحاد الإفريقي : الإمارات وراء الصفحة الجديدة
وجدت جهود الإمارات لتحقيق السلام في السودان تقديراً كبيراً على المستويين العربي والأفريقي، حيث أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي، في تصريح لـ«الاتحاد»، بدور الإمارات في إنجاح التوصل إلى توقيع اتفاق جوبا، الذي وصفه بأنه ساهم في تحول لدعم السلام والاستقرار، وفتح صفحة جديدة في تاريخ السودان، فيما قال رئيس بعثة الجامعة العربية في جوبا السفير خالد عبد الرحيم، لـ«الاتحاد»: «إن دور الإمارات في الإعداد والتمهيد والمشاركة في جولات المفاوضات طوال العام الماضي، عكست الرغبة المخلصة للإمارات في استعادة الاستقرار للسودان الدولة المهمة في منظومة العمل العربي المشترك».

رئيس لجنة الوساطة الجنوبية: دور رائد للإمارات ونناشدها مواصلة الدعم
أشاد رئيس لجنة الوساطة الجنوبية المستشار توت قلواك، بدور الإمارات الرائد في دعم اتفاق السلام في السودان، قائلاً: «نثمن دور الإمارات في دعم اتفاق جوبا، منذ بداياته العام الماضي، مروراً بجلسات التفاوض المستمرة عبر عام كامل، وصولاً للتوقيع النهائي على الاتفاق»، وأكد لـ«الاتحاد»، أن الإمارات تُعد من أكبر وأبرز الدول التي تلعب دوراً سياسياً إيجابياً في الساحة السودانية، وناشد الأشقاء في الإمارات بضرورة دعم تنفيذ اتفاق السلام خلال الفترة المقبلة، موضحاً أن تنفيذ الاتفاق يتطلب موارد وإمكانيات مادية ضخمة للغاية، لا سيما في ظل ظرف اقتصادي صعب يمر به السودان، ما يؤكد أن «التمويل» يُعد أبرز تحديات تنفيذ الاتفاق، مشيراً إلى أن الدعم له العديد من الجوانب، وأبرزها دعم ملف عودة النازحين واللاجئين إلى قراهم الأصلية، ودعم بند الترتيبات الأمنية، وتنمية المناطق التي دمرتها الحرب، وعلى رأسها إقليم دارفور، فضلاً عن دعم الاقتصاد الوطني إسهاماً في استقرار السودان.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد