عائلة بهاتيا.. 100 عام من التجارة والاستثمار في دبي

أرض الخير نقلت اليتيم «أوترا» من الفقر إلى الثراء منذ 1920

يعتبر أوتامشاند بهاتيا، المعروف بـ«أوترا» من أبرز رجال الأعمال الهنود الذين استفادوا من الانفتاح والتسامح الذي تتميز به دبي عبر تاريخها، إذ بدأت رحلته طفلاً يتيماً إلى الإمارة عام 1920 وأتاحت له الأقدار فرصاً ذهبية ساعدته، إلى جانب تصميمه وأمانته ومهارته في العمل، على بناء إحدى أعرق المجموعات التجارية والاستثمارية في دبي والمعروفة حالياً باسم «دكان العم».

تحتفل عائلة بهاتيا بمرور 100 عام على وجودها في دبي منذ مجيء الجد أوتامشاند عام 1920، واستمرت حتى الآن رغم وفاته عام 1986،

ديباك بهاتيا، المدير العام لمجموعة «دكان العم» حول دور دبي وأهلها في نجاح جده أوتامشاند وتغيير حياته من الفقر المدقع إلى عالم الثراء، ليس المادي فحسب، بل المجتمعي أيضاً، إذ ترتبط العائلة بعلاقات تاريخية وطيدة بالمجتمع الإماراتي وهي الثروة الحقيقية للعائلة، بحسب ديباك.

ولد أوتامشاند عام 1910 وتوفيت أمه خلال ولادته وحينما أكمل عامه الثالث توفي والده وتركه مع أخت واحدة، وفي حادث مريع توفي أعمامه الخمسة و4 من عماته وبقيت له عمة واحدة فقط.

وبدافع الشفقة، قام أحد الأقارب الذي يمتلك متجراً للأقمشة في دبي بإحضار أوتامشاند إلى دبي، وكانت الرحلة بحراً عام 1920، وبدأ بالعمل في المتجر بدبي بعمر صغير وكان لا يعرف اللغة العربية وعاش ظروفاً معيشية صعبة للغاية، كما تعرض لسوء المعاملة من قبل قريبه صاحب المتجر وذلك في السوق الكبير حالياً.

وبالرغم من كل المآسي التي عاناها الطفل أوتامشاند، إلا أن القدر كان يخبئ له ما لم يكن في الحسبان، ففي جولة للتبضع في السوق شاهد مساعدو المغفور لها الشيخة حصة بنت المر زوجة المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم، الطفل البائس أوتامشاند بجانب متجر قريبه وشعروا بالسوء لوضعه السيئ، وأخبروا الشيخة حصة عنه وأمرتهم بإحضاره إلى المنزل وبعد أن سمعت قصته الحزينة عطفت عليه وقررت مساعدته، وكانت الخطوة الأولى أن يتعلم اللغة العربية لكي يتمكن من التواصل مع محيطه وسرعان ما أتقنها في  عام ونصف عام، ومن ثم دعمته ليبدأ مشروعاً تجارياً خاصاً به من خلال متجر للأقمشة عام 1922 بالرغم من يفاعته آنذاك، ومن ثم تعرف إلى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، وبدأت رحلة الصداقة بينهما.

وفي العام ذاته عاد أوتامشاند إلى مسقط رأسه للقاء أخته وتمضية عدة أشهر في قريته، ولكن سرعان ما عاد إلى دبي بعد شهر واحد فقط لأنها باتت بمقام موطنه الدافئ وشعر بالغربة في بلده الأصلي، إذ لم يستطع البقاء بعيداً عن دبي بحسب حفيده ديباك.

وبفضل أمانته ومهارته في التجارة وحسن تعامله مع الناس وعلاقاته الوطيدة بالمجتمع المحلي والتجاري القائمة على الاحترام والتعاون، حاز أوتامشاند ثقة واحترام الجميع وسرعان ما أصبح أصغر تاجر في السوق الكبير آنذاك وازدهرت تجارته بفضل دعم ورعاية آل مكتوم وبات أنجح وأغنى تاجر في دبي في تلك الحقبة بحلول مطلع الثلاثينيات، إذ دخل عالم تجارة اللؤلؤ، وكان يطلق على التجار الهنود آنذاك لقب «بانيان»، ولذا لقب «بانيان لولو» باعتباره أكبر تاجر للؤلؤ حينها، وفي خضم الحرب العالمية الثانية عام 1942، منح المغفور له الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، رحمه الله، أوتامشاند إذناً خاصاً لافتتاح متجر لبيع المنتجات الاستهلاكية والأغذية بجانب محطة العبرة، ومن ثم افتتح متجراً آخر واشترى المنزل الذي يقع فوق المتجر، وبحلول الستينيات تم ترخيص المتجر تحت علامة «دكان العم» من قبل بلدية دبي، ويقول ديباك إن الاسم جاء تكريماً للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، إذ كان أولاد أوتامشاند ينادونه «العم راشد».

وفي ظل ازدهار عائلة بهاتيا في دبي خلال 100 عام، يقول ديباك إن سر نجاح الإمارة يكمن على امتداد تاريخها في رؤية حكامها الذين تبنوا رؤى وطموحات سابقة لعصرها وترجموها إلى إنجازات مبهرة على أرض الواقع إلى جانب مهارات القيادة الحصيفة التي تمكنهم من اتخاذ القرار الصائب في شتى الظروف والتحديات، ما يجعل دبي في تطور مستمر وتحديث دائم، كما أن آلية صناعة القرار مبنية دائماً على معطيات واقعية ورؤى مستقبلية تستشرف الفرص وتمهد لها وتستثمر فيها لتنبت ازدهاراً يعم الجميع.

ويشير ديباك بهاتيا إلى أن آليات التنمية التقليدية في العالم عادة ما تعتمد على قيام الحكومات باستقطاب المستثمرين والشركات لإطلاق عمليات البناء وتسريع وتيرة التنمية الشاملة، إلا أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، يتبنى سياسة تنموية فريدة ومغايرة تماماً، إذ أطلق عملية التطوير والبناء والتحديث بشكل شامل ومتواصل حتى الآن والتي بدورها تستمر حتى الآن بجذب نخبة الاستثمارات وكبرى الشركات العالمية وتحفز المشاريع الصغيرة والناشئة ورواد الأعمال على النمو والازدهار محلياً وإقليمياً وعالمياً.

ويؤكد ديباك أن دعم ورعاية آل مكتوم لجده ولعائلته من بعده شكل حجر الأساس في ازدهار عائلة بهاتيا في دبي منذ 1920، ويتقدم بجزيل الشكر لهم على ما قدموه لها.

وفي زيارة قام بها مع والده لمجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مطلع عام 2000، طرح ديباك على سموه سؤالاً جريئاً وقال: هل تستنسخ دبي كما يقول البعض التجارب الاقتصادية الناجحة من الآخرين مثل سنغافورة والولايات المتحدة ولندن؟ وهنا قال سموه: دائماً ما أعد أنني في سباق للخيل أمتطي صهوة حصاني وأركز فقط على شيئين وهما خط النهاية وأن أكون أول من يصل إليه، ولكن إذا التفت في السباق إلى ما يفعله ويقوله الآخرون فسأفقد تركيزي ولن أستطيع الوصول إلى هدفي تحقيق المركز الأول. وتابع سموه ناصحاً ديباك: إذا أردت النجاح في حياتك فعليك أن تدرك أن العالم سيتكلم عنك سواء كان ما فعلته صحيحاً أو لا، ولذا يجب أن تركز فقط على ما تريده وتمضي قدماً لتحقيقه.

وشكلت مرحلة الستينيات بداية تنويع محفظة أعمال عائلة بهاتيا، إذ دخل أبناؤه في عدة مجالات تشمل توزيع الأفلام السينمائية والإنشاءات ومحطات وقود السيارات ولكنهم تخارجوا منها في وقت لاحق. أما ديباك فعمل مع بداية حياته المهنية في طيران الإمارات وبعد اكتسابه الخبرة المطلوبة وإشباع شغفه تجاه القطاع، انضم لأعمال العائلة في الأقمشة ولكنه قرر الدخول في مجال مواد البناء. وبعد دراسة سوق القطاع أسس شركة متخصصة في استيراد وتوزيع مواد الإنشاءات والبناء عام 1999 وبدأ بمنتج واحد فيما تتعامل الشركة بما يناهز 600 منتج متنوع في المجال ذاته بدءاً من الخشب والحديد وغيرها. وفي 2003 كانت من أوائل الشركات التي أدخلت نموذجاً خاصاً يستخدم الحديد في العمليات الإنشائية والأساسات ومن ثم أدخلت الألواح الأسمنتية.

ويلخص ديباك عوامل النجاح في عالم الأعمال بناء على مسيرة جده ومجموعته العائلية، قائلاً: قلما يكون النجاح حليفاً دائماً في عالم المال والأعمال، فالنجاح الدائم في التجارة والاستثمار شيء نادراً جداً فالجميع يتعرضون للفشل ولكن من الضروري الاستفادة من الفشل وعدم تكرار الأخطاء. وعند الدخول في قطاعات ومشاريع جديدة، يجب الغوص في تفاصيلها والإلمام بجميع متطلباتها وآلياتها بالاعتماد على دراسات واقعية للسوق والجدوى الاقتصادية.

ويشير ديباك إلى أن عائلة بهاتيا تفتخر بأنها من قلائل العائلات التجارية التي لطالما عملت في التجارة وعالم الأعمال والاستثمار باستخدام أموالها الخاصة ولم تلجأ قط للقروض والتسهيلات المصرفية من عهد الجد أوتامشاند وحتى الآن ولا تدفع أي فوائد للبنوك.

ويشير إلى أن العائلة وبالرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها في تجارة الحديد بين عامي 2010 و2011 إثر انهيار أسعار الحديد، لم تلجأ إلى القروض المصرفية وقامت بتسييل بعض أصولها لتسديد الخسائر، وباتت بعد ذلك أكثر حذراً في تعاملاتها التجارية وأوقفت التعامل بالدفعات الآجلة مع جميع عملائها حتى اليوم، وهنا يقول بهاتيا: من الأجدى أن يركز فريق العمل على إبرام صفقات وشراكات جديداً عوضاً عن ملاحقة العملاء للحصول على المستحقات المالية منهم.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد