الرسوم الجمركية الأمريكية صحوة المارد الأمريكي ؟؟؟؟ أم تشكيل لخارطة الاقتصاد العالمي ؟
أجرته\ رباب سعيد مراسلة مجلة استثمارات الإماراتية شؤون مصر وشمال إفريقيا "خاص قسم الاستطلاعات "مجلة استثمارات الإماراتية
في خطوة تصعيدية بين الولايات المتحدة والعديد من دول العالم أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية جديدة على شرائح واسعة من الواردات تراوحت بين 10 و 50% تستهدف نحو 100 دولة حول العالم مما أثار حالة من الترقب والقلق في الأسواق العالمية، لكن إعلانه يوم الأربعاء الماضي عن تعليق تطبيق هذه الرسوم 90 يوماً، أضفى قليلا من الهدوء.
وبادرت بعض الدول بالسعي إلى التفاوض مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجديدة فيما نددت دول أخرى بالقرار وهددت بالتصعيد من خلال فرض رسوم مضادة وحول دوافع هذه الخطوة… تطرح تساؤلات عن الانعكاسات المحتملة لهذه الرسوم الجمركية على التجارة العالمية، وتأثيراتها المتوقعة على الدول العربية، وعن أبعاد هذه الحرب التجارية التي يبدو أنها تتفاقم.
الدكتور \ يحيي الواثق بالله
الوزير المفوض رئيس جهاز التمثيل التجاري
“الرسوم الجمركية سوف تؤثر على دول عربية كثيرة ولكن بالتفاوت”
فرص إيجابية
يري الوزير المفوض الدكتور يحيي الواثق بالله رئيس جهاز التمثيل التجاري أن الرسوم الجمركية التي يهدد الرئيس ترامب بفرضها سواء على جيرانه في كندا أو المكسيك أو على دول أخرى، سيكون لها تأثيرات وتداعيات مؤكدة، وقال الوزير المفوض” الدكتور يحيي الواثق بالله” في حديثه لمجلة استثمارات الإماراتية” إن تأثير القرارات الجمركية التي إتخذتها الإدارة الأمريكية سوف يكون عاصف علي العالم أجمع وبخاصة على الدول التي تتعامل بشكل رئيسي على هذا الملف الشائك؛ وبالتأكيد سوف يؤثر ذلك على دول عربية كثيرة ولكن بالتفاوت وخاصة التي تعتمد على الحصول على المنتج النهائي من الولايات المتحدة.
تأثير غير مباشر للدول العربية
وتابع “ أن التأثير على الدول العربية سيكون بشكل غير مباشر كما أن الصادرات العربية للولايات المتحدة، باستثناء النفط، ليست بالحجم الكبير مقارنة بالواردات الأمريكية؛ ومن المتوقع أيضًا حدوث تضخم لدى الدول المعنية بالقرارات في ضوء هذه الحرب التجارية، وهو ما سيؤدي بالتالي إلى ارتفاع أسعار العديد من المنتجات التي تستوردها الدول العربية وتتفاوت وفقًأ للنسبة المقررة لهذه الرسوم والتي تتراوح بين 10% كما هو الحال بمصر وتتزايد حتي 41% في بعض الدول.
وأضاف أنه قد يكون هناك بعض التداعيات الإيجابية لقرارات الرسوم الجمركية، حيث تفتح الآفاق أمام فرص جديدة في السوق؛ فالمصانع الأمريكية التي كانت تصنع منتجاتها في الصين مثلا ستبحث عن دول بديلة كمصر أو دول عربية أخرى، كما ينطبق الأمر ذاته، بحسب على الصين، التي ستبحث عن أماكن أخرى تُصنع فيها منتجاتها وتصدرها للولايات المتحدة بشكل غير مباشر عبر دول لم تفرض عليها واشنطن ضرائب جمركية.
وحول أبعاد الرسوم الجمركية قال الوزير أنه يحمل أبعاد كثيرة لكن التعامل مع التحديات الناجمة عن الرسوم الجمركية الأمريكية لا يتطلب فقط ردودًا دبلوماسية، بل رؤية إستراتيجية شاملة لإعادة صياغة موقع إفريقيا في النظام التجاري العالمي، بما يحقق السيادة الاقتصادية والتنمية المستدامة.
الدكتور\ أحمد مغاوري دياب
الوزير المفوض رئيس لجنة التجارة والاستثمار في منظمة التجارة العالمية
” سياسة حمائية تهدف الى استعادة الوظائف الصناعية وتشغيل المصانع”
سياسة واستراتيجية
وفي رأي مماثل قال الوزير المفوض الدكتور. أحمد مغاوري دياب رئيس لجنة التجارة والاستثمار في منظمة التجارة العالمية في حديثه إلى ” مجلة استثمارات الإماراتية” أن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة بموجب الامر التنفيذي يفرض “رسوم بالمثل” تتجاوز كونها إجراء اقتصادي تقليدي، حيث تحمل هذه الرسوم في طياتها أبعادا
وأوضح أن الهدف الذي اعلنته الادارة الامريكية هو تحقيق العدالة التجارية، لكن الرسوم تستهدف بالأساس دول لديها فائض تجاري مع واشنطن، مثل الصين (٥٤%)، سويسرا (٣٧%) الاتحاد الأوروبي (٢٠%)، واليابان والهند (٢٤%).
وأشار المصدر ذاته أن هذه الرسوم تمثل قفزة كبيرة عن المتوسط الامريكي السابق الذي كان لا يتعدى ٢.٥% (الان حوالي (٢٤%) متوسط مرجح لكل الدول)، لذلك فهي بمثابة مؤشر واضح نحو سياسة حمائية تهدف الى استعادة الوظائف الصناعية وتشغيل المصانع الامريكية خاصة في قطاعات الاكترونيات والحواسب والصناعات الكيماوية والصناعات التحويلية الثقيلة.
لافتاً أن الهدف ايضا دفع شركاء الولايات المتحدة التجاريين نحو طلب عقد صفقات احادية مع الولايات المتحده وهو ما يفتح المجال امام الادارة الامريكية للتفاوض مع هذه الدول للحصول على امتيازات في اسواقها.
وأشارإلي تلويح بعض الدول بالرد وفرض عقوبات مقابلة، مثل الصين التي أعلنت رسوم انتقامية بنسبة (٣٤%) ومنعت تصدير معادن استراتيجية، فإن مؤشرات البيت الأبيض الحالية توحي بأن الإدارة الأمريكية مستمرة في نهجها، على الأقل في المدى القريب.
ونوه أن الرئيس الأمريكي يرى في الرسوم ورقة ضغط فعالة لتحسين شروط التفاوض التجاري، لذلك هدد الرئيس الامريكي بفرض رسوم اضافية تبلغ ٥٠% على واردات امريكا من الصين اذا لم تتراجع الاخيرة عن قرار فرض رسوم انتقامية.
وأكد ان هذا التصعيد ليس بلا ثمن، فقد أدى بالفعل إلى تراجع حاد في الأسواق المالية، وانخفاض أسعار النفط، وتزايد القلق في أوساط المستثمرين من الدخول في حرب تجارية واسعة النطاق تضر الجميع، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي نفسه.
الاقتصاد الحمائي
وأختتم الدكتور أحمد مغاوري دياب رئيس لجنة التجارة والاستثمار في منظمة التجارة العالمية ان ما يحدث هو عودة صريحة إلى أدوات الاقتصاد الحمائي، بعد عقود من تبني سياسات تحرير التجارة، والمنافسة قد ترضي هذه السياسات بعض القواعد الانتخابية داخل الولايات المتحدة
(ولكن قد يكون ذلك على المدى القريب)، خاصة العاملين في الصناعات التقليدية المتضررة من المنافسة الخارجية مثل قطاعات الصلب والسيارات، لكن في المقابل سوف يترتب على هذه السياسات ارتفاع في معدلات التضخم وزيادة تكاليف المعيشة على المستهلك الأمريكي بنسبة قد تتخطى ٤%، فضلا اثر سلبي متوقع على اسواق المال وعلى تدفقات رؤوس الاموال ناهيك عن زيادة متوقعة في تكلفة تمويل حركة التجارة الدولية واعادة رسم سلاسل الامداد العالمية في القطاعات الاكثر تأثرا بهذه السياسات.
وسوف تتأثر سلبا على المديين القصير والمتوسط الشركات في الدول التي فرض عليها رسوم جمركية متوسطة او كبيرة بنسب تتراوح بين (٢٠ الى 37%)
اما الدول التي لم تفرض عليها رسوم مرتفعة مثل مصر، وبعض دول إفريقيا، وبعض الشركاء في أمريكا اللاتينية، فقد تستفيد تجاريا واستثماريا إذا أحسنت استغلال الفجوة التي تتركها دول مثل الصين وفيتنام وباقي الدول التي فرضت عليها رسوم عالية
الاستاذ \حماده الشوري
المستشار الإعلامي السابق لمنظمة التجارة العالمية الصينية
بكين وواشنطن “تحافظان على التواصل”و تظل “مستعدة للانخراط مع الولايات المتحدة
الرسوم الجمركية وانعكاستها
ومن جانبه أوضح المستشار الإعلامي السابق لمنظمة التجارة العالمية الصينية السابق حماده الشوري في حديثه ” مجلة استثمارات الإماراتية” أن الأسواق الأمريكية خسرت في اليوم الأول للحرب التجارية 2 ترليون و500 مليار دولار، لكن هذا ليس المؤشر الرئيسي على خسارتها الحرب، فالأمور ستكون أسوأ في الأيام والأسابيع القادمة.
وأشار أن الصين قررت فرض ضرائب جمركية على جميع الواردات الأمريكية بنسبة 34%، وكذلك كندا 25% على السيارات، وأوروبا تستعد بحزمة من القرارات المضادة، واليابان بدأت تسحب أموالها ببيع سندات الخزانة التي تمتلكها بنحو ترليون و100 مليار دولار، وكذلك الصين التي تمتلك 800 مليار دولار، وليس هذا كل ما في الأمر،
لافت المصدر ذاته أن أمريكا لا تمتلك البديل عن معظم وارداتها من الدول التي فرضت عليها الضرائب الجمركية، ما يعني أنها ستتحملها، وستتكبد شركاتها خسائر كبيرة، وستحدث فوضى في سلاسل التوريد، والصناعات الأمريكية التي تعتمد في معظمها على جزء كبير من المكونات المستوردة
وأشار أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تراهن على أوهام أن الجميع سوف يخافون وينصاعون، وكأن أمريكا الأقوى، بينما هي دولة مثقلة بالديون، وتستورد أكثر مما تنتج بنحو ترليون و200 مليار سنويا، وتدفع فوائد ديون تتجاوز الترليون دولار سنويا، أي ستعتمد على المزيد من الديون، وأضاف الشوري أن الرئيس الأمريكي إذا أراد إحياء صناعته المتراجعة فإنه سيحتاج سنوات طويلة واستثمارات ضخمة وأيدي عاملة مؤهلة.
قوة الاقتصاد الصيني
وتابع لا يمكن أن تربح السباق مع دول مثل الصين، التي لديها كل عوامل الإستمرار والتقدم، لهذا طرح ترامب التفاوض بسرعة كبيرة، وهذا سيجعله الطرف الأضعف في أي تفاوض، سيدخل لمرحلة التفاوض ومحتاج، وليس كقوي ومنافس.
واعتبر أن الرسوم الجديدة التي وصفتها واشنطن بأنها “متبادلة”، مبالغ فيها إلى حد كبير وأضاف أنه ليس هناك منتصر في الحرب التجارية”..وشدد على أن بكين وواشنطن “تحافظان على التواصل”، و تظل “مستعدة للانخراط مع الولايات المتحدة بشأن المسائل المهمة في التجارة الثنائية وربما تؤدي الضرورة الاقتصادية إلى تقريب العديد من الدول من الصين وإبعادها عن الولايات المتحدة
الدكتور\ محمد سيد ابونار
أستاذ الاقتصاد الزائر بالعديد من الجامعات المصرية
“الأزمة أثبتت الهشاشة البنيوية لاقتصادات إفريقية عديدة”
تعزيز الشراكة مع الصين
و بدوره يقول الدكتور محمد سيد ابونار استاذ الاقتصاد الزائر بالعديد من الجامعات المصرية ” لمجلة استثمارات الإماراتية” إن الأزمة الحالية قد تتيح فرصا لتحسين الشراكات مع الصين التي زادت استثماراتها أكثر بنسبة 35% في الدول العربية بين عامي 2022 و2023 وفقا لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولكن على الرغم من بعض الفوائد المحتملة التي تقدمها هذه الفرص، إلا أنها تبقى محدودة النطاق بسبب التحديات التي تتفاقم مع بقاء عملات الخليج مرتبطة بالدولار، مما يعرضها لتغيرات قد تقلل من قدرتها التنافسية للصادرات بنسبة 3%-4%، وذلك وفقا لدراسة أجراها معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.
يعتقد ابونار أن الدول العربية قد تتأثر بالحرب التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة، التي سيكون لها تداعيات سيئة، لأن الدول العربية لها علاقات تجارية مع الجانبين، وقد ترتفع أسعار الواردات، ويتصاعد التضخم، وتتراجع نسب النمو الاقتصادي المرتبط بحجم المبادلات التجارية مع الشركاء التجاريين
وأشار إلى أن الصين قد تستغل حالة عدم اليقين بشأن سياسة الولايات المتحدة للاستحواذ على حصة في السوق على حساب المصدرين الأميركيين.
رسوم على السيارات
وأكد المصدر ذاته أن الرئيس الأمريكي أعلن الأسبوع الماضي عن خطط لفرض رسوم جمركية تصل إلى 25 في المئة على واردات السيارات، وهو ما يوسع نطاق الحرب التجارية العالمية التي شنها لدى عودته إلى البيت الأبيض هذا العام في خطوة يتوقع خبراء قطاع السيارات أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وعرقلة الإنتاج.
وأضاف أن الرئيس ترامب “سيفرض رسوما جمركية 25 في المئة على جميع السيارات غير المصنعة في الولايات المتحدة. سنبدأ بحد أدنى 2.5 في المئة، وهو الأساس الحالي، وتصل إلى 25 في المئة”. كما لفت إلى أن الإدارة الأمريكية تري أن الرسوم الجمركية أداة لزيادة الإيرادات لتعويض تخفيضات الضرائب التي وعد بها وإحياء القاعدة الصناعية الأميركية المتراجعة منذ فترة طويلة،.
وأشار إلي أسهم شركات تصنيع السيارات المدرجة في الولايات المتحدة انخفضت بعد أنباء المؤتمر الصحفي الذي أثار مخاوف من أن الرسوم الجمركية قد تحدث موجات صدمة في قطاع السيارات العالمي الذي يعاني بالفعل من حالة عدم اليقين الناجمة عن تهديدات ترامب المتتابعة بفرض رسوم جمركية.
ارتفاع تكاليف السيارات في الولايات المتحدة
وأوضح أن الرسوم الجمركية قد تؤدي أيضا إلى ارتفاع تكاليف السيارات على المستهلكين بآلاف الدولارات، مما يؤثر سلبا على مبيعات السيارات الجديدة ويؤدي إلى فقدان الوظائف، إذ يعتمد قطاع السيارات الأميركي بشكل كبير على قطع الغيار المستوردة.
واستوردت الولايات المتحدة منتجات سيارات بقيمة 474 مليار دولار في 2024، بما في ذلك سيارات ركاب بقيمة 220 مليار دولار. وكانت المكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا، وجميعها من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، أكبر الموردين.
ضغوط اقتصادية تجاه القارة السمراء
أوضح المصدر ذاته أن “الرسوم الجمركية المتبادلة” التي فرضها ترامب استهدفت عشرات الدول الأفريقية، بما في ذلك 30 في المئة لجنوب أفريقيا و50 في المئة لليسوتوخاصة إن العديد من هذه الدول تعاني بالفعل من آثار خفض المساعدات الخارجية الأمريكية، التي كانت تقدم مساعدات صحية وإنسانية للدول الأقل حظاً..
وأشار أن جنوب أفريقيا، شأنها شأن بعض أكبر اقتصادات القارة، بما في ذلك نيجيريا وكينيا، اتفاقيات تجارية مفتوحة مع الولايات المتحدة، وقد تُؤثر الرسوم الجمركية الجديدة بشكل كبير على العلاقات الاقتصادية القائمة.
وأختتم الدكتور محمد سيد ابونارالخبير الاقتصادي أن الأزمة أثبتت الهشاشة البنيوية لاقتصادات إفريقية عديدة ما زالت قائمة، في ظل الاعتماد المفرط على الأسواق الخارجية والتخصص في صادرات المواد الخام، مما يجعل القارة عُرضة لتقلبات السياسات الاقتصادية للقوى الكبرى. وعلى هذا الأساس، تصبح ضرورة تنويع الشراكات وتعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي أمرًا غير قابل للتأجيل
التعليقات مغلقة.