د سالي شعراوي تكتب: توفيق الحكيم ودور المثقف فى المجتمع

بقلم د/ سالي شعراوي*

يُعد شعار ” التعليم كالماء والهواء ” من ابرز الشعارات التنويرية التى لاقت رواجا وانتشاراً على  مدار القرن العشرين  ، ولكنها رغم ذلك لم تلقى القبول لدى الكاتب الكبير توفيق الحكيم نظراً لأن الماء والهواء يشترك فيهما الحيوان مع الانسان ، وكان يفضل شعار آخر وهو ” الطعام لكل فم وعقل ” ، ويتساءل ” إذا كان المقصود بالتعليم الذى كالماء والهواء هو محو الأمية عند الجميع ، فما قيمة محو الأمية الأبجدية مع بقاء الأمية العقلية ؟؟

حيث انتشر التعليم ولم يتغير شئ كثير فى عقلية الأمة ، الذى كثر عدده هو مكاتب ادارية ووظائف يشغلها افراد لا ينتجون شيئاً بالضرورة يساهم فى الارتقاء بعقلية الأمة ،  فالعلم والتعليم للحصول على الشهادات ، أما التنوير الروحى لتكوين الشخصية فلا تفكير فيه ، حتى الجامعة العصرية التى تدخل كل بيت وهى التليفزيون ، إن هى الا أداة امتاع وترفيه ، أكثر مما تفهم على أنها أداة تنوير وتكوين.

كما استشهد الحكيم بال” كوليج دى فرانس ” التى يتم فيها إلقاء المحاضرات حباً فى المعرفة ولا يوجد امتحانات ، ويقول ان هذه التجربة كان يوجد ما يماثلها فى الأزهر الشريف
ونجد أن رأى الكاتب الكبير لا يزال هو الحقيقة إلى اليوم خاصة فى ظل تغلغل التكنولوجيا فى حياة الانسان التى ابتعدت بانسان العصر الحديث عن الثقافة الرفيعة التى تساعد على نمو الروح والعقل

وفى ذلك السياق ، تزداد أهمية دور المثقف ، فهو بمثابة روح الامة ويُعد الاداة الرئيسية للتعبير عما تختلج به نفس المجتمع من ازمات ونقائص فهو يُشخص عيوب المجتمع ويضع يده على مواطن الداء دون أن يُفترض فيه بالضرورة أن يُحدد الدواء ، وعلى سبيل المثال كان الصحفى والكاتب الكبير احسان عبد القدوس بمثابة طبيب نفسى لامراض المجتمع ، فلم يتوانى طوال رحلته الابداعيه عن إظهار نقائص المجتمع املاً فى اصلاحها ، ولكنه على حد تعبيره ” بدلاً من أن يسخط الناس على عيوبهم …سخطوا على الكاتب ”

ولكن لا يُقلل ذلك أو ينتقص من أهمية مسيرة المثقف ودوره حيث انه المعنى بتربية النفس ، وهو دور محورى يتم عبر جيل كامل ، ويُمكن القول أنه مرتبط بالتنمية المستدامة للانسان فى مجتمعه ، وتربية النفس هى الاساس واللبنة التى يُمكن من خلالها الاستفادة من ثمرات تطور الحضارة المادية ، حيث أن رقى الروح لازم لكى ينعم الفرد بمخرجات التنمية الاقتصادية والمادية بكافة جوانبها .

وفى هذا السياق يحضرنى مسرحية قصيرة بعنوان ” نحو حياة افضل ” للكاتب والمفكر توفيق الحكيم والتى تصور فيها أن قوة كبيرة مُمثلة فى الشيطان ارادت أن تستجيب لرغبة مفكر يحلم بحياة افضل للفلاح المصرى ( كتبت المسرحية عام 1955) ولكن لم يسفر الموقف إلا عن تطور فورى وشكلى فى المساكن والملكية الزراعية للفلاح من خلال ما قام به الشيطان من تغيير فورى لحياة الفلاح على غرار اسطورة مصباح علاء الدين ، بينما صُدم المفكر عندما وجد أن الفلاح المرفه مادياً والذى يقيم فى فيلا ويملك الارض ، يستغل وقت فراغه فى التفاهات المادية بدلاً من الثقافة والاوبرا وارتياد المتاحف ، ومن ثم تنتهى المسرحية باعلان المفكر افلاس تلك التجربة لأن الرقى المادى بدون تنمية الروح لا شئ .

وهذا هو دور المثقف الذى ينهض بالمجتمع من خلال المنتجات الثقافية الراقية التى تُطور الروح وتسمو بها نحو الافضل ، فالثمرات الادبية والفنية والموسيقية هى التى تُنتج جيلاً يتمتع بالتذوق للفن والادب الرفيع بكافة المعانى ، وليس ذلك بالدور الهين ولا بالأمر الذى يُمكن أن يتم خلال مدة قصيرة ، ولكن المطلوب هو عدم استجابة الفن والقائمين على الثقافة لتردى الاذواق السائد بل يجب أن يقود المثقف الذوق العام لا العكس  أملاً فى حياة افضل وارقى .

* الدكتورة سالي شعراوي: باحثة في العلوم السياسية وحاصلة على الدكتوراه في العلاقات الدولية.

 

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد