فيلم «سوء سلوك» يهزّ مسابقة ملكة جمال العالم

في فيلم Misbehaviour «سوء سلوك» لدينا قصة أول فتاة سوداء تفوز بلقب ملكة جمال العالم، وفي الوقت نفسه قصة أول مسابقة جمال يتم تخريبها بشكل مؤقت من قبل مجموعة نسويات متعصبات، والقصتان متداخلتان لدرجة أن كاتبتي النص ريبيكا فرين وغابي تشياب، والمخرجة فيليبا لوثورب، اضطررن إلى إعطاء الجزئيتين مساحة متساوية، فأي قصة أهم؟

الإجابة بالنسبة لكاتب هذا الموضوع هي قصة أول فتاة سوداء تفوز باللقب، لأنها صنعت تاريخاً جديداً، وأعطت آمالاً لملايين الفتيات من أصول إفريقية لمنافسة نظرائهن من العرقيات الأخرى. وماذا عن قصة مجموعة النسويات؟ بالنسبة لكاتب هذا الموضوع فقد نسيها بمجرد انتهاء الفيلم!

الأولى قصة أعادت كتابة التاريخ، والثانية مجرد تسجيل موقف. بالطبع هذا لا يعني أن كل من سيشاهد الفيلم سيتفق مع هذا الكاتب، لكن بالتمعن في القصتين، فإن الأولى هي الأجدر، والثانية قصة ثانوية، لأنها منذ أن حدثت اعتراضاً على المسابقة، فإنها لم تتكرر بالشكل نفسه، واستمرت مسابقة ملكة جمال العالم إلى يومنا هذا تنظم على المستويات كافة، سواء مستوى كل دولة، أو على مستوى العالم.

لكن الفيلم يروى من وجهة نظر المجموعة النسوية لذلك فقصتهن هي التي في الواجهة. في 20 نوفمبر عام 1970، هيمنت الفوضى على قاعة ألبرت هول الشهيرة في لندن، أثناء استضافتها لمسابقة ملكة جمال العالم.

كان المذيع بوب هوب (غريغ كينير) على المسرح يلقي نكاتاً عن فتيات جميلات في ملابس سباحة ضيقة. فجأة، سمع الجمهور هياجاً يأتي من أحد جوانب المسرح، ودبت فوضى بوقوف مجموعة فتيات معترضات يصرخن بشعارات ضد استعباد واستغلال المرأة، وضد هيمنة الرجال على النظام العام.

ليتضح لاحقاً أن هؤلاء النسوة من حركة تحرير المرأة اللاتي أخذن يرمين المسرح بقنابل طحينية، ويعتدين على منظمي المسابقة بمسدسات ماء خاصة بالأطفال، مطالبات بوقف ما سمينه سيركاً لاستعراض أجساد النساء لأغراض الترفيه، أو حسب تشبيههن الخاص: «سوق ماشية نسائي». مخططتا الشغب هما سالي أليكساندر (كيرا نايتلي) وجو روبنسون (جيسي باكلي)، شخصيتان متناقضتان تنتميان للتوجه السياسي نفسه (موجة النسوية الثانية)، أليكساندر أكاديمية مثقفة وأم تحمل شهادة من جامعة أكسفورد. تدخل مناظرات حامية متلفزة وغير متلفزة وكأن المناظرة تثبت قيمتها كإنسانة وتخسر بعضاً منها أمام أساتذة ومثقفين.

تريد أليكساندر تغيير النظام، بينما روبنسون تؤمن بالتغيير عبر الفوضى، فنراها تأخذ عبوات أصباغ وترشها على اللوحات الإعلانية التي تحث المرأة على إسعاد زوجها، التي تمثل مخالفة للتوجه النسوي، لأنها من وجهة نظرهن منحازة للرجل.

تتهم روبنسون أليكساندر بالخنوع والسلمية، وأنها ترفض منهج التغيير بالقوة. لكن حسب الفيلم عندما تضع الفتاتان خلافاتهما جانباً، فإن التغيير يبدأ. هاتان الفتاتان اللتان بين يدي لوثورب هما بطلتا موجة النسوية اللتان من وجهة نظر صنّاع الفيلم تستحقان التمجيد بوضع صورتهما على لوحات الاحتجاج أو الأكواب التذكارية.

وحسب الفيلم، فإن شراكتهما تمثل رؤية متناغمة في تمكين المرأة، ولو أنها متطرفة جداً، لأنهما تريدان قلب مفاهيم تأسست منذ آلاف السنين، وهذه المفاهيم ليست كلها خاطئة. نعم هناك مفاهيم بحاجة إلى مراجعة، ولكن توجد مفاهيم لا يمكن أن تتغير كعناية الأم بأطفالها في سنوات النشأة الأولى، حيث أن دور الرجل في هذه المرحلة محدود جداً ولا يمكن أن يتساوى مع دور المرأة. لا يركز الفيلم كثيراً في هذه التفاصيل، وإنما على نظرتهما التي تحارب صناعة ملكات جمال الكون، والنظر إلى المسابقة وكأنها تستغل المرأة أبشع استغلال. في هذه الأثناء تحديداً، تسقط الحسناء السمراء جينيفر هوستن (غوغو مباثا رو) من بين أصابع المخرجة وتهمَّش لمصلحة أليكساندر وروبنسون، رغم أن قصتها هي الأجدر بالفيلم كما أسلفنا. غوغو ضائعة لا تعرف ما تفعل في سيناريو لا يعطي قصة شخصيتها حقها، لأنه يركز على عامل التمرد على النظام. وهنا تأتي أصعب لحظة في الفيلم، لأنها تمثل وجهتا نظر متناقضتين تماماً، لكن إبراز المخرجة للتناقض دلالة على شجاعتها وعدم خوفها من الرأي الآخر.

 جينيفر هي الرأي الآخر هنا، لأن أليكساندر وروبنسون تحاربان النظام الشرير الذي يهيمن عليه الرجال، ولديهما كل ما حرمت منه جينيفر كامرأتان من البيض تعيشان في مجتمع متقدم وغني. لكن جينيفر فتاة جاءت من مجتمع غرينادا الفقير، أو ربما المتواضع، لتتوج في بريطانيا وأمام العالم كله كأول امرأة من أصول إفريقية تنصب ملكة جمال الكون، فهل يجب عليها رفض اللقب من أجل وجهة نظر حركة نسوية؟

تقول جينيفر في حوارها مع أليكساندر، وهذا أقوى مشاهد الفيلم: «ستغير الجائزة نظرة الفتيات من لوني إلى أنفسهن، وستغير نظرة العالم إليهن». وهذا صحيح لأنها كتبت تاريخاً جديداً، وألمهت ملايين الفتيات من جنسها أن ملكة جمال العالم ليست حكراً على البيض. بعد هذا الحوار يتحول الفيلم إلى حوارات إرضائية لكلا الطرفين، وكأنه لا يريد إدانة أحد، لكنه يشدد أن الفوضى التي حدثت في تلك النسخة من المسابقة كانت حركة ذكية، وهي وجهة نظر نحترمها ولا نتفق معها.

يندرج الفيلم رسمياً تحت خانة الدراما الكوميدية، رغم أنه يحمل سمات أفلام السير الذاتية، وهو جيد ومتوازن بشكل عام، وبه قدر عال من الترفيه ويستحق المشاهدة، مقارنة بالخيارات الرديئة التي تملأ صالات السينما.

يذكر أن مسابقة ملكة الجمال بنسختيها العالمية والمحلية، التي تدينها حركة تحرير المرأة، صنعت مستقبل الكثير من نجمات السينما، مثل شارون ستون و إيفا لانغوريا وأوبرا وينفري وفانيسا ويليامز، ومن غير الأميركيات أشواريا راي وغال غادوت وبريانكا تشوبرا، وهناك أيضاً نسخة رجالية أشهر من فاز بلقبها مفتول العضلات أرنولد شوارتزينيغر عام 1968.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد