«قضية إن إم سي».. إدارات المخاطر بالبنوك تسقط في فخ قروض مليارية دون ضمانات

ألقت أزمة شركة «إن إم سي» للرعاية الصحية والمدرجة ببورصة لندن، والتي اقترضت نحو 6.6 مليار دولار، من بينها 2.5 مليار دولار من بنوك إماراتية، الضوء مجدداً على مسؤولية مدققي الحسابات وإدارات المخاطر بالبنوك في التحقق من الملاءة المالية للمقترضين وقدرتهم على السداد.

وحتى الـ17 من ديسمبر الماضي كانت الشركة ومؤسسها رجال الأعمال الهندي بافاجوثو راغورام شيتي نموذجاً للنجاح على مدى أكثر من 4 عقود، ولكن قصة النجاح تحولت بين عشية وضحاها إلى أكبر فضيحة احتيال على أموال البنوك بعد أن نشرت شركة «مادي ووترز» الأمريكية التي تعمل بمجال الشورت سيلينغ (البيع على المكشوف)، تقريراً أكدت فيه التلاعب بالبيانات المالية للشركة، مشيرة إلى أن قيمة أصول الشركة إلى إجمالي القروض المستحقة عليها غير متناسبة على الإطلاق، ما فتح الباب أمام البنوك للمطالبة بوضعها تحت الحراسة القضائية لضمان استرداد أموالها.

ويعض أكثر من 80 بنكاً حول العالم أصابع الندم نتيجة الخطأ الذي ارتكبته بتقصيرها في التحري عن هذه الشركة ووضعها المالي، وحجم مديونياتها، وربما استندت البنوك فقط على التقارير المحاسبية التي كانت تجمل وضع الشركة.

 وأوضح خبراء في ردهم على سؤال لـ«الرؤية» حول السيناريو المفترض في حال لم يصدر تقرير الشركة الأمريكية، أن المسألة لم تكن لتمر مرور الكرام، بل كانت ستتفاقم وانكشاف البنوك ربما سيزيد.

وأثار خبراء استطلعت «الرؤية» آراءهم، تساؤلات عن طبيعة إدارات المخاطر في البنوك المقرضة وفاعليتها، وحمّل البعض المسؤولية لهذه الإدارات، متهماً إياها بالتقصير، في حين ذهب البعض الآخر إلى حد افتراض وجود شبهات فساد.

وأشار الخبراء إلى أن هذه القضية تفتح الباب أيضاً للتساؤل عن فاعلية وجدوى مدققي الحسابات الخارجيين، مطالبين وزارة الاقتصاد بتغيير صيغة كتاب التكليف من الشركة للمدقق الخارجي بحيث يتحمل المدقق الخارجي مسؤولية البيانات التي يدقق عليها.

ورغم أن شركة «إن إم سي» وصفت حينها، تقرير مادي ووترز بأنه غير صحيح ومبني على استنتاجات خاطئة، مؤكدة أنها ملتزمة بأعلى المعايير الاستثمارية وعلى استعداد لنشر كل المعلومات المطلوبة، إلا أن ذلك لم يوقف حركة البيع الهلعي على السهم، لا سيما بعد خروج تقرير يتحدث عن بيع اثنين من كبار المستثمرين لكمية كبيرة من أسهمهما، تبع ذلك بيع بنك الإمارات دبي الوطني لجزء من أسهمه.

بعد ذلك واجهت شركة «فينابلر»، وهي مملوكة بشكل أساسي لرجل الأعمال شيتي، مشاكل مالية وضغوطاً بيعية، وظهرت مشكلة الإمارات للصرافة التي وضعت تحت إدارة المصرف المركزي.

ويقول الرئيس التنفيذي للاستراتيجيات والعملاء في شركة الظبي كابيتال المحدودة، محمد على ياسين، إن التقرير الذي أصدرته شركة «مادي ووترز» في ديسمبر من العام الماضي لم يكن الأول، فقبله صدر تقريران غير مفصلين لصندوقي تحوط، ما دفع بالسهم المدرج في بورصة لندن حينها إلى التراجع من القمة التي وصل إليها بدايات 2019 عند نحو 40 جنيه استرليني، إلى حدود 25 جنيهاً.

وتابع ياسين «جاء تقرير مادي ووترز أكثر تفصيلاً في ديسمبر 2019، وطرح شكوكاً حول الشركة وكون القروض التي تحصل عليها لا تتناسب مع طبيعة عملها».

وأشار إلى أنه يعتقد أن مودي ووترز عرفت مسألة القروض من أطراف أخرى ربما بين المقرضين، لافتاً إلى أن بعض أعضاء إدارة الشركة لم يكونوا على علم بالقروض، فمن أين تعرف بها شركة مودي ووترز؟

وأكد ياسين مسؤولية شركات التدقيق والبنوك عن النتيجة، مطالباً وزارة الاقتصاد بتغيير صيغة كتاب التكليف الذي يصدر من الشركات إلى مدققي الحسابات الخارجيين بحيث يصبح مدققو الحسابات يتحملون مسؤولية البيانات التي يدققونها.

وحمّل ياسين البنوك مسؤولية مباشرة في أحجام الانكشاف، لافتاً إلى أن القروض الكبيرة لا تكون ببساطة وإنما تخضع لموافقة لجنة وقد تصل إلى مجلس الإدارة في البنوك.

وطالب بإعادة النظر في معايير إدارة المخاطر في البنوك بحيث تلغي احتمالية وجود شبهات في بعض الأحيان.

ومن جهته قال أحد كبار المصرفيين السابقين، حسين القمزي «لو لم يصدر تقرير الشركة الأمريكية مادي ووترز لما علم أحد بطبيعة ما يجري خلف الكواليس»، مؤكداً أنه لو لم يتم الكشف عن تلك المعلومات حينها لكنا أمام معضلة أكبر ستتفاقم وتظهر مع الوقت بلا شك».

وعن مسؤولية البنوك المقرضة، أوضح القمزي أن قروض الشركات الكبرى تخضع لدراسة لجنة من المصرف الذي سيقوم بالتمويل، ولا بد للجنة من التدقيق والبحث ومراجعة المزودين الذين مع الشركة طالبة التمويل وغيرها من جهات تتعامل معها، مؤكداً أنه لا ينبغي الاعتماد في قرار التمويل على بيانات المدقق الخارجي.

وأكد أن التدقيق الجيد لا بد من أن يظهر مواضع الخلل في حال وجدت، مشيراً إلى أن بعض القروض تصل إلى مجلس إدارة البنك، لا سيما القروض الكبيرة جداً.

قال مؤسس الشركة، رئيس مجلس الإدارة السابق بي أر شيتي المقيم في الهند حالياً في تصريح صحفي مساء الخميس الماضي «احتراماً للإجراءات القانونية والتنظيمية، ولإفساح المجال أمام سير التحقيقات بطريقة سريعة ومستقلة، فقد امتنعت حتى الآن عن الإدلاء بتصريحات إعلامية».

وأضاف شيتي: «ومع ذلك، وكما قلت سابقاً، فإنني أقوم بتحقيقاتي الخاصة حول المعلومات المتوفرة لدي، وسأكشف عن نتائج هذه التحقيقات في أقرب وقت ممكن، وبالطريقة المناسبة».

وأضاف «أنا حريص أشد الحرص وعازم على تسليط الضوء على جميع الحقائق، وإظهار الحقيقة كاملة، حول ما آلت إليه الأمور لجميع الأطراف المعنيين، وفي أسرع وقت ممكن. هذا أمر مُلحّ وضروري من أجل تقديم الدعم وطمأنة آلاف الأطباء والمُمرّضين والعاملين المتفانين في الرعاية الطبية في (إن إم سي)، خاصة في ظل الأزمة الصحية التي نعيشها».

وقررت المحكمة العليا في لندن يوم الخميس الماضي فرض الوصاية القانونية على شركة «إن إم سي» للرعاية الصحية بناء على طلب بنك أبوظبي التجاري بالاتفاق مع الدائنين.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد